رأىسلايدر

الفعل وليس رد الفعل!

استمع الي المقالة

أحمد مصطفى يكتب

كما اعتدنا في البداية – لا زال الناتو والغرب يخسر بالرهان على فرسه الأعرج الأوكراني، ويضحي بشعب مقهور وفقير، لفشل دول الناتو في حشد أي جيوش بسبب فكرة الاتحاد الأوروبي القائمة على المادية والفردانية الشديدة.

الشباب الغربي واختلال المفاهيم وتأثيرها السلبي عليه:

فبالنسبة للشباب الأوروبي هناك كراهية لفكرة التجنيد وهو اختياري، وبات الغالبية كما فرضت القوانين الأوروبية الجديدة، إما “نشطاء حقوقيين أو صناع سلام”.

واختفت فكرة الانتماء للوطن والأرض، مع التطرف في حماية الفردانية والحقوق الفردية بما فيها (الحقوق الجنسية) والحق في التحول في الهوية (الجندرية) الجنسية. وهناك العديد من هذه الإشكاليات الغير مفصح عنها إعلاميا في الغرب.

فقد يكون هناك شاب (ذكر) مكتمل الذكورة ولكنه يدعي أن مشاعره أنثوية، وعليه يتم معاملته وفقا للمعايير الخاصة بحقوق الإنسان الغربية على أنه (أنثى) ويحق له دخول أماكن النساء وهو على وضعه الذكري، وعليه قد حدثت الكثير من مشاكل التحرش والاغتصاب للإناث مع غض الطرف عنها بسبب هذا الخلل الأخلاقي، وفقا لكثير من الأنباء التي ترد على سي ان ان و رويترز وفرانس 24 ودويتش فيلله.

هذه الأمور الشاذة التي كان يراد الترويج لها في كأس العالم في (قطر) لولا دراية الدولة المنظمة بهذه النوايا السيئة مسبقا ورفضها التام والتصدي لمثل هذه العادات الخربة والتي لا تتناسب مع ديننا خلفياتنا الثقافية.

والمسلسل الإنجليزي الذي يعرض على منصة نتفليكس بعنوان (التربية الجنسية) من أكبر الشهود على الخلل التربوي الكبير الموجود بالمجتمعات الغربية، وترويجها لليبرالية الجنسية حتى للمراهقين، بما يخل بالأدوار الاجتماعية الأصيلة في المجتمع، ولنا أن نتصور تأثير ذلك على الشباب الغربي.

والمشكل أن حتى أي مسئول يحاول الاعتراض على هذه المعايير “شديدة التطرف” يمكن عزله كما حدث مؤخرا مع نائب رئيس وزراء اليابان الحالي، والذي تم عزله لإعتراضه على إجازة (الزواج المثلي) في دولة المفترض أن ثقافتها شرقية، خربتها الولايات المتحدة ووجود قاعدة بها تسببت في خلل بالمجتمع.

مع عدم إقبال الشباب اليابانيين على الزواج لاعتناقهم (المعايير الجندرية الغربية) مع عدم الشعور بالمسئولية الأسرية والعجز السكاني الذي تعاني منه هذه الدولة حاليا والتي تعاني من زيادة نسبة كبار السن الذين تزيد أعمارهم عن 70 عاما مقارنة بالشباب ما دون 30 عاما. مما يشكل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة اليابانية، حيث تدفع الحكومة اليابانية ما قيمته ضعف المتحصلات الضريبية كمعاشات لكبار السن وفقا لمصادر يابانية، الأمر الذي يتوجب عليه حتمية رفع قيمة الضرائب للضعف لمجابهة هذا العجز.

وهذا ما نراه بشكل واضح في رئيس فرنسا (ماكرون) وصور جدلية مع شباب من جزيرة تاهيتي، أو وهو يحاول تقبيل رؤساء ومسئولين اخرين منهم (زيلنسكي). وكذلك وزيرة الشئون الاجتماعية والاقتصادية الفرنسية (كاترين شيبا) التي أصرت على الظهور بملابس فاضحة على مجلة مفترض انها ترفيهية إباحية (بلاي بوي)، وهذا فيه موافقة ضمنية من قبل ماكرون ورئيسة وزراءه، وبوشم يحمل المادة الدستورية الخلافية على صدرها التي تجيز إطالة سنة التقاعد الى 64 عاما، ودون خشية أو احترام للعامل الفرنسي الكادح.

وأيضا على سبيل المثال، قد يجد شاب (إيطالي أو تشيكي أو روماني) فرصة عمل أفضل في دولة مثل (السويد مثلا أو ألمانيا) براتب أفضل، وعليه فيهاجر هذا الشاب الى البلد ذات الراتب الاعلى بدون انتماء لوطنه الأم، وإذا وقعت هذه البلد في حرب أو كارثة فهي لا تعنيه على الإطلاق، لأن انتماءه أصبح لمصلحته المادية الفردية فقط لا غير.

وعليه يراهن الغرب كله والناتو على (الشعب الأوكراني المسكين) كـ كبش فداء رخيص الثمن. لأن حتى غالبية الدعم المادي الذي وصل إلى أوكرانيا يصل لـ يد الأوليغارشية الصهاينة من الاوكران الذين يسيطرون على الدولة ومنهم زيلينسكي نفسه، والذي تباهي أن بلده تمثل (إسرائيل) أوروبا، بل وحس جنوده على تدنيس المصحف الشريف كما حدث في دول متطرفة مثل السويد وهولندا، وهذا ما يزيد كراهيتنا وعدم احترامنا لهذه الدول مجتمعة.

حرب أوكرانيا والانتخابات الرئاسية الأمريكية

فبات (بايدن) ومتطرفيه في الحزب الديموقراطي لديهم الرغبة المحمومة في إطالة الصراع حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأنها بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت، والخسارة تعني ضرب النيوليبرالية المتطرفة في مقتل، وكذلك ما يسمى الناتو.

ولقد تسبب غباء أمريكا وتطرف الناتو كالمعتاد في زيادة التحالف الاستراتيجي والتبادل التجاري ما بين روسيا والصين لما يزيد عن الضعف مقارنة بالعام الماضي ليصل الى أكثر من 200 مليار دولار، وايضا زاد التحالف ما بين الصين من طرف وروسيا وإيران من طرف آخر والثلاثة تصنفهم الخارجية الأمريكية أنهم أعداء.

وكلما استمر المسؤولون الأمريكان في مقابلة مسئولين من (تايوان)، دون موافقة الصين، (كيفين مكارثي ومقابلته مع الرئيسة الصينية الحالية أمس)، كلما يجعل هذا الصين حادة جدا في مواجهة الغرب، وكذلك يجعلها تؤكد تحالفاتها مع القوى الجديدة وزيادة تواجدها في الجنوب (إفريقيا وأمريكا اللاتينية). فالغرب لا يمكنه وكما ذكرنا سابقا أن يتخلى عن التجارة معها لما تمثله الصين كأكبر دولة في العالم لها حصة من سلاسل التوريد العالمية بما يمثل على الأقل 30% .

وكذلك حجم التجارة اليومي وباحصائيات موثقة من قبل الاتحاد الأوروبي وغرفة التجارة الأوروبية والألمانية وحتى البنك الدولي، فحجم التعامل مع الصين يوميا مابين الصين وامريكا سنويا يزيد عن 400 مليار دولار، ومع الاتحاد الأوروبي مجتمعا برقم يقارب هذا الرقم باليورو، حيث تستحوذ ألمانيا وحدها على ما قيمته 256 مليار دولار منه سنويا وفقا لإحصائيات 2019 ما قبل وباء كورونا.

الصين والعالم العربي:

حيث تدخلت الصين مؤخرا في حل الاشكالية ما بين ايران ودول الخليج من خلال المصالحة المفاجئة والرائعة بين إيران والسعودية. وكما دعمت الصين كلا من قطر والسعودية على وجه التحديد، فكانت مع قطر في كأس العالم، وكذلك دعم ظهر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعد أن سئم الأخير من تهديدات واساءة الأدب التي كانت توجه إليه من ترامب سابقا وتهديد بايدن بإحالته للجنائية الدولية أثناء مناظراته الرئاسية في قضية خاشقجي، وعليه استطاعت الصين أن تأخذ السعودية في صفها لأن الصين دائما ما تحرص على عدم التدخل في الشئون الداخلية للغير، وتدعم فقط الحياة الاجتماعية والاقتصادية للشعوب من خلال نظام شراكة (مكسب + مكسب) لكي يعم النفع على الطرفين.

المعضلة الفلسطينية وفشل الغرب في علاجها، ودور العرب في نظام عالمي جديد بفضلها

وبينما فشلت أمريكا في إدارة ملف القضية الفلسطينية مع دعم غربي ضمني للاسف لكل الانتهاكات التي تجري يوميا وحتى في هذا الشهر الكريم والذي يفترض أن تخفف القيود لزيارة المسجد الأقصى لقيمته لدينا كمسلمين كثالث الحرمين الشريفين وأيضا كنوع من الحفاظ على هويته ولكي لا يعبث به دعاة وكذابي الكيان أنه أنشيء على هيكل سليمان المزعوم، وهذا ما نراه عند استغلالهم لحائط البراق وتغيير اسمه لما يسمى حائط المبكى.

ومحاولة الصهاينة المستميتة لـ هدم المسجد الأقصى، وخصوصا مع وجود حكومة فاشية متطرفة من مصاصي الدماء تمثل نتنياهو ووزيره بن جفير والذي يحث المستوطنين الصهاينة على الدخول الى المسجد الاقصى وذبح القرابين داخله احتفالا بأعياد الفصح، لأنه للاسف يجد أن أقصى ما تقوم به الدول العربية هو الشجب والإدانة، وهذا لا يليق بنا بالأساس، مع تواطؤ غربي وانشغال غربي بقصة الثأر من الضربة الروسية في أوكرانيا.

ايضا ازدواجية معايير غربية تجاه القضية الفلسطينية لأن ما يجري من الكيان الصهيوني لا يجري مع مواطنين غير مسلمين ومن غير أصحاب البشرة البيضاء، بل مع مسلمين أصحاب بشرة حنطية، ينظر لهم بشكل أدنى من الغربيين أصحاب البشرة البيضاء والعيون الملونة.

فقد طال الظلم هذه المرة الاتحاد الدولي لكرة القدم عندما منع اندونيسيا من إتمام تنظيم كأس العالم للشباب ما دون العشرين عاما، بسبب رفض المسؤولين الاندونسيين اصحاب الضمائر تجاه القضية الفلسطينية، من مشاركة الفريق الاسرائيلي اعتراضا على الممارسات الإسرائيلية ضد المقدسات الإسلامية، وما يحدث لإخوانهم في الإنسانية من عرب ومسلمين.

فشكرا لإندونيسيا حكومة وشعبا على هذا الحس الانساني العالي، ولن يزد تنظيم بطولة من قيمة إندونيسيا في شيء، وهذا الجميل نحمله فوق رؤوسنا، ولكن على الجانب الآخر يحق للحكومة الاندونيسية (مقاضاة الفيفا) دوليا، لسحب تنظيم البطولة بصورة مفاجئة، وكذلك ما لحقها من أضرار مادية عن هذا السحب، ويجب على جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والآسيان وروسيا والصين دعم اندونيسيا في هذه الدعوى كما تمكنا من ضبط اداء الفيفا أثناء كأس العالم في قطر.

ولكن رب ضارة نافعة، فكما استغلت الأوبك ودول أخرى كـ روسيا فيما يسمى (أوبك بلس) الفرصة لضرب الغرب بشكل غير مباشر من خلال تقليل الإنتاج من النفط لمرتين، وفي أقل من ستة أشهر، هذا الأمر الذي يصب طبعا في مصلحة القوى الجديدة لروسيا والصين يعطيهم أفضلية في صراعهما مع أمريكا طالما القرار الغربي كله مرهون لدى واشنطن.

فهذا بدوره سيزيد من الأزمة أوروبيا (حيث أن أوروبا قد حاولت وضع سقف لسعر النفط الروسي وطبعا فشلت) للوضع الاقتصادي السيء، وحتى مع دخول هذه الدولة الصغيرة (فنلندا) للناتو هذا سيزيد الوضع سوءا أكثر من ذي قبل هناك، لوجود التزامات نقدية تجاه الناتو عند الدخول فيه تزيد من عبء هذا التوجه الخاطئ على المواطن الفنلندي.

وكذلك بالنسبة لأمريكا والتي تعاني من تضخم شديد مع ارتفاعات أسعار النفط، والذي وصل في ولايات الأسعار تتراوح من (7-10 دولار/جالون) مع إقتراب على إنهيار مالي مروع جديد أكثر قوة من 2008، والذي ابتدأ مع انزلاق ثلاث بنوك امريكية للافلاس، وكذلك بنوك أوروبية ومنها (كريدي سويس) وحتى (دويتش بنك الألماني) الذي يواجه معاناة كبيرة مفترض ان تقلق نوم الحكومة الألمانية الأغنى في أوروبا.

وعليه وطالما العرب هم مصدر ما يمثل 60% من الطاقة في العالم، فعليهم استغلال سلاح الطاقة مجددا ضد الكيان وأمريكا، وهو بالفعل دور العرب في صنع هذا النظام العالمي الجديد، من خلال تعطيل شحن ناقلات النفط الأمريكية والإسرائيلية في الموانئ العربية ليومين أو ثلاثة ودون الحاجة للتسلح وإنفاق الكثير على الردع الاستراتيجي.

وبناءا عليه فإننا أيضا نتوجه بالشكر للحكومة العراقية تحت قيادة رئيس الوزراء السوداني والذي منع كردستان العراق من تصدير النفط لإسرائيل من مدينة اربيل الكردية شمال العراق عن طريق تركيا، وما ترتب عليه من قلق داخل المجتمع الاسرائيلي.

وعلى الدولة التركية أيضا القيام بنفس الشيء في هذا الصدد، وأن تحجب وصول هذا النفط لإسرائيل لضمان ممارسة ضغوط على هذا الكيان لحل مشاكل اخواننا الفلسطينيين.

سلاح النفط والطاقة هذا لا زال من أهم الاسلحة الاستراتيجية في العالم وقد أثبتت الازمة الأوكرانية انه شديد الفاعلية – لأنه بدون طاقة يتعطل عمل وصناعة وزراعة وتجارة الدول، وهذا هو ما يمتاز به عالمنا العربي، وكذلك هذا المنع وخفض الإنتاج بكل تأكيد سيرفع السعر على الدول الغير صديقة، مثل الكيان الصهيوني.

واتمنى على جامعتنا العربية ان تصدر قرار بالإجماع في شهر رمضان هذا، أو على الأكثر في قمتها القادمة مع حضور سوريا للقمة في المملكة العربية السعودية، بمقاطعة الكيان الصهيوني اقتصاديا ولو لمدة اسبوع وسنرى التغيير الذي يحدث داخل هذا الكيان والذي سيحل قريبا بسبب أزمة الثمانين عاما التي دائما ما تصيبه.

ونثني على الأزهر الشريف والحكومة المصرية دورها في إدارة هذا الملف والدور الذي تتحمله دائما في مواجهة العدوان الصهيوني حتى ولو لم يكن ظاهرا.

واعتقد ان يوم القدس هذا العام والموافق الجمعة الأخيرة من شهر رمضان؛ والذي اقترحته إيران منذ عدة عقود بعد قيام الثورة الإيرانية، لتذكير البشرية بعدالة القضية الفلسطينية؛ سيشهد العديد من الفعاليات القوية على مستوى العالم والتي تؤكد رفضنا لهذا الكيان وتأكيدا على الحقوق الفلسطينية.

وهذا للعلم،،

أحمد مصطفى

رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة

ومشروع عين على الشرق بالتعاون مع بوابة الأهرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى