عدالة ديليفري!
بقلم: أحمد طه الغندور
دقائق فقط تفصلنا عن الأخبار المذهلة الواردة من المحكمة الجنائية الدولية في “لاهاي”؛ والتي جاءت في بيان رسمي للمحكمة، بأن “الدائرة التمهيدية الثانية في المحكمة أصدرت مذكرات توقيف بحق شخصَين في إطار الوضع في أوكرانيا، هما «فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين وماريا أليكسييفنا لفوفا-بيلوفا»، وهما الرئيس الروسي “بوتين”، والسيدة المفوضة الرئاسية لحقوق الطفل في روسيا.
وأضافت المحكمة في بيانها أن بوتين “يُفترض أنه مسؤول عن “جريمة الحرب” المتمثلة في الترحيل غير القانوني لسكان (أطفال) والنقل غير القانوني لسكان (أطفال) من المناطق المحتلة في أوكرانيا إلى الاتحاد الروسي”.
وتابعت: “يُفترض أن الجرائم ارتُكبت في الأراضي الأوكرانية المحتلة أقله اعتبارًا من 24 شباط/فبراير”، مضيفة أن هناك “أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن السيد بوتين مسؤول شخصيًا عن الجرائم المذكورة أعلاه”.
وعلى ذمة صحيفة “نيويورك تايمز” الصادرة الإثنين الماضي، هو الاتهام الأول، حيث بشرت الصحيفة بأن المحكمة تستعدّ لفتح قضيتين تطالان مسؤولين روساً على “خلفية “الحرب في أوكرانيا”، ونقل أطفال من أوكرانيا إلى روسيا، والقصف المتعمد على منشآت مدنية في أوكرانيا” سيكون إدعاء ثانٍ.
ويبدو أن خلفية هذا الادعاء جاءت في تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الصادر يوم الإثنين الماضي؛ إذ أعربت “المنظمة” عن قلقها إزاء العواقب “الوخيمة” لـ “الغزو الروسي لأوكرانيا” على الأطفال الموجودين في “مؤسسات رعاية”، والذين نقل الآلاف منهم إلى الأراضي الخاضعة للسيطرة الروسية أو إلى روسيا”!
أمر يحتاج إلى كثير من البحث والنقاش، لكنه ليس موضوعنا!
من الضروري أن نُشير هنا أن كلاً من “روسيا وأوكرانيا” ليستا أعضاء في محكمة الجنايات الدولية، ولا ولاية للمحكمة عليهما، وقد ذكرَ بذلك الرد الروسي، مساء اليوم حيث وصفت الخارجية الروسية “قرارات المحكمة الجنائية الدولية، بأنها “عديمة الأهمية” و”باطلة قانونيا”.
وأضافت المتحدثة باسم الوزارة، “ماريا زاخاروفا” عبر تطبيق “تليغرام” إن “قرارات المحكمة الجنائية الدولية عديمة الأهمية بالنسبة لبلدنا” لأن موسكو ليست ملزمة تجاهها، وأن قراراتها “باطلة قانونيا بالنسبة لنا”.
لكن السيد “كريم خان” ـ المدعي العام ـ يرى؛ بأن بالرغم من كون “أوكرانيا ليست دولة طرف في نظام روما الأساسي، لكنها مارست صلاحياتها مرتين لقبول اختصاص المحكمة على الجرائم المزعومة بموجب نظام روما الأساسي التي تحدث على أراضيها، عملاً بالمادة 12 (3) من النظام الأساسي. قبل الإعلان الأول الذي قدمته حكومة أوكرانيا حول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بالجرائم المزعومة المرتكبة على الأراضي الأوكرانية من 21 تشرين الثاني / نوفمبر 2013 إلى 22 شباط / فبراير 2014. ومدد الإعلان الثاني هذه الفترة الزمنية على أساس مفتوح لتشمل الجرائم المزعومة المستمرة التي ارتكبت طوال الوقت أراضي أوكرانيا اعتبارًا من 20 فبراير 2014 فصاعدًا”!!
لا شك أن الخبرة القانونية المشهود لها، والتفاني في الوصول إلى العدالة هو ما قد المحكمة “الموقرة” لإصدار “مذكرات القبض” بحق الرئيس الروسي ومستشارته، وأن الأمر برمته لا علاقة له بـ “الانحياز السياسي” و ” ازدواجية المعايير”!
وإلا كيف نُفسر ما حدث ويحدث في الحالة الفلسطينية؛ لسنوات لا أحد من طرف المحكمة ـ ما عدا السيدة بنسودا في أواخر ولايتها، ينظر في جملة القضايا المرفوعة ضد “مسؤولين” من “الاحتلال الإسرائيلي” ارتكبوا / ولا زلوا يرتكبوا جرائم يندى لها جبين البشرية، وتدخل في صلب اختصاص المحكمة وفق ميثاق روما للعام 1998!
لذلك كان من الضروري أن تنظر المحكمة في مسألة الولاية على فلسطين التي تم القرار فيها في 5 فبراير 2021! والجرائم قائمة! والإجراءات ميتة!
واليوم “جرائم الاحتلال” تتواصل، وتزداد بشاعة، حتى وصلنا الأن إلى “حكومة” من “غلاة المتطرفين” أحرقت بلدة فلسطينية “حوارة ” وقتلت وأصابت ربما مئات من الفلسطينيين، وهدمت وصادرت ممتلكات وموارد فلسطينية، ومعتقلاتها تشتعل على الآف “المختطفين”!
ختاماً، لعل الوقت قد حان الأن لكي يستخدم السيد “خان” كلتا عينيه، ولديه كل الذرائع القانونية، والأسانيد الواقعية ليرى بالعين الأخرى ما يحدث في فلسطين، التي بلا أدنى شك أنها بحاجة إلى بعضٍ من “العدالة ديليفري”!