بقلم: أحمد مصطفى
رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة ومشروع (عين على الشرق) بالشراكة مع بوابة الأهرام
باتت مسلسلات الغرب ساذجة وغير مستساغة من الشعوب بعد استمرار مسلسل الأكاذيب الغرب والناتو على شعوبهم آخرها لقاء الغير موثوق بهما (ماكرون) رئيس فرنسا الذي لا يحظى بإجماع شعبي، والذي اضطر الشعب الفرنسي لانتخابه خوفا مما يسمى (النيوليبراليين) والذي أظهرت الأيام أنه منهم. وما يؤكد ذلك استمرار الاحتجاجات الشعبية ضده وضد حكومته، اعتراضا ليس فقط على الدخول في الحرب في أوكرانيا، والأقسى من ذلك رفع سن التقاعد للمواطن الفرنسي بسبب الشركات الكبرى الفرنسية التي أتت به كرئيس. وحتى في الدول الفرنكوفونية في إفريقيا، حيث بات عددا من رؤسائهم لا يعبر عن رغبة في استقبال المسؤولين الفرنسيين من جديد بعد خذلان فرنسا لإفريقيا بأوامر أمريكية.
والآخر (ريتشي سوناك) رئيس وزراء بريطانيا، والذي حل رئيسا لحزب المحافظين وتصدر المشهد ليس من خلال انتخابات شعبية بريطانية، ولكن للارتباط الوثيق ما بين الحزب بشكل فاضح وقصر باكنجهام. الأخير الذي يدخل في مجالس إدارة الشركات النافذة بشكل غير مباشر خصوصا الشركات المالية والبنوك الكبرى، وطبعا شركات الطاقة وذلك وفقا لتقارير بريطانية وأمريكية موثوق بها، بعد عدة محاولات إضعاف (حزب العمال) والذي غاب تماما عن المشهد، وبعد ربما تورط سلفه (ليز تراس) في موضوع تفجير أنابيب السيل الشمالي.
والقصة الخيالية الكذبة الكبرى الأخرى التي خلصت إليها لجنة تحقيق غير جديرة بالثقة في حادثة تفجير (السيل الشمالي 1 و2) أنها ربما تكون مدبرة بزورق يحمل خمسة رجال وسيدة من اصول اوكرانية وموالون للنظام الأوكراني لإبعاد التهمة عن الدول الكبرى. أعني بريطانيا وأمريكا. وكأننا في فيلم هوليودي اخرق وساذج، ودون السماح بدخول محققون روس للدولة (صاحبة الصفة الأساسية) في التحقيق. وهنا نشهد إعادة ربما لسيناريو (تفجير الطائرة الماليزية) التي أسقطها ربما نظام كييف أو الناتو في 2014، لمحاولة الزج بروسيا في الملف، وهذا بعد حادث ضم القرم بشكل قانوني إلى الأراضي الروسية من خلال استفتاء شعبي كبير، وهذا لإظهار روسيا بمظهر (المعتد) في العالم والدولة البلطجية المارقة.
الصين بدأت التنسيق مع السعودية منذ عدة سنوات.. كان لعملية اغتيال الصحفي السعودي المعارض في تركيا (خاشقجي) في قرب نهاية 2018 أهم الفرص التي أتت لكل من (الصين وروسيا) على وجه الخصوص، لتمهيد الطريق أمامهما لعلاقات شراكة استراتيجية أكبر مع (السعودية – الدولة الأكبر في الخليج) لأنهما قدمتا الدعم اللازم لحماية ولي العهد الشاب الأمير (محمد بن سلمان)، ومحاولة طرح البدائل الأفضل أمامه وبشروط الأصدقاء والداعمين له في حينها.
في حين حاولت أمريكا استغلال الحادث لممارسة اقصى ضغط على السعودية لاخضاعها للإدارة والشركات الأمريكية، كون خاشقجي يحمل الجنسية الأمريكية وكان يعمل في صحيفة محسوبة على الديموقراطيين (واشنطن بوست). وبات شبح ملاحقة بن سلمان واضحا وخصوصا مع وصول (بايدن) المكتب البيضاوي في نهاية 2020، والذي وعد في حملته الانتخابية بملاحقته قضائيا.
وترسخت العلاقات يوما بعد يوم بين الصين ودول الخليج وكان كأس العالم والتعاون القطري الصيني أكبر رد على مصداقية الصين في دعم الدول العربية، وكذلك البنى التحتية الرائعة التي قدمتها الصين لـ قطر في هذه الفعالية الكونية وكذلك (صفقة الغاز الكبرى) مع قطر التي أتت لدعم الصين، كرد لجميلها. وذلك على حساب دول الغرب قاطبة، والتي بدأت في مهاجمة قطر من خلال تمسكها بثقافتنا العربية الإسلامية أثناء كأس العالم. ثم عقد (قمة صينية عربية) في (الرياض) أثناء فعاليات كأس العالم في نوفمبر الماضي، والتي حاولت الصين من خلالها كالعادة توقيع شراكات كبرى بمفهوم (فوز + فوز) الذي تتبناه مع الدول العربية بشكل عام، والسعودية بشكل خاص.
مواقف جيدة حقا من السعودية وإيران تجاه النظام العالمي الجديد (الصين وروسيا) كانت قمة جدة في يوليو الماضي بداية (اللطمات) التي وجهتها المملكة لكل من الكيان الصهيوني وأمريكا – فرأينا استقبال فاتر لـ (بايدن) في السعودية على غير العادة، وأيضا رفض كل الإملاءات الأمريكية بـ (عقد ناتو عربي مع اسرائيل ضد إيران) من خلال تصريح وزير الخارجية السعودي الفرحان أثناء فعاليات القمة مباشرة.
كذلك السماح من قبل الصين وروسيا دخول كل من (السعودية وإيران) لما يسمى مجموعة (بريكس بلس) وكذلك دول أخرى طبعا منها (مصر والجزائر والأرجنتين).
موافقة السعودية وإيران على (اتفاق اوبك بلس – أي دول أوبك وروسيا) بخفض الإنتاج العالمي من النفط للمحافظة على سعر سوقي عادل لكافة الأطراف المنتجة، مع استثناء الصين من هذا والتي تعقد اتفاقيات كبرى لتوريد الطاقة مع الجانبين الإيراني والسعودي.
القمة العربية الصينية في نوفمبر الماضي، والتي ربما حاولت الصين من خلالها تقريب وجهات النظر وربما التنسيق مع (العراق) للتعرف على مسارات جولات المفاوضات بين البلدين لاستئناف تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية. وهنا أيضا نثني على دور (العراق) تحديدا في هذا الصدد – و لنقارن أيضا استقبال الرئيس الصيني تشي شنبينج باستقبال بايدن والذي كان مادة للسخرية من أمريكا في الميديا العالمية.
تماسك الصين داخليا مقارنة بالدول الغربية.. كان المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني أكبر رد على تماسك الصين داخليا، وخصوصا بعد انتخاب رجل المرحلة الرئيس الصيني (تشي) كسكرتير عام للحزب والذي كان الحافز الأكبر له لكي يعاد انتخابه كرئيس للدولة بشكل غير مباشر، من خلال مؤتمر الدورتين (مجلس الشعب والحزب الشيوعي الصيني) الرابع عشر الذي عقد الأسبوع الماضي.
هذا الأمر الذي طبعا خيب الكثير من آمال الغرب، وخصوصا أمريكا والتي كانت تراهن على الفرس الخاسر دائما، والتشكيك في إعادة إنتخاب الرئيس (تشي) مرة أخرى بسبب سياسة (زيرو كوفيد) وما تسببت فيه من تراجع النمو الاقتصادي الصيني بناءا على ذلك من وجهة نظر غربية سطحية. بالرغم انه الذي يقرأ بعمق هذه (السياسة الصينية) يرى فيها أسباب أخرى لا يعرفها الكثيرون والتي زادت من قوة الصين على حساب الغرب، ربما نناقشها في مناسبات أخرى.
ديمقراطية الصين المختلفة والهجين بين المنهجين الشيوعي والليبرالي، أو ما أسميناه سابقا (النيوشيوعية في مجابهة النيوليبرالية) والتي تسمح لترقي البشر وفقا للعمل والنزاهة والكفاءة والمعايير الموضوعية العلمية في جودة الإدارة، سواء على مستوى المحليات أو على مستوى الحزب الشيوعي والذي يضم 100 مليون عضو حاليا.
أخيرا،،،كل هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى زيادة ثقة الأنظمة السياسية في دول الجنوب في الصين، والتي لا تتدخل في الشئون الداخلية للدول، لأنها مع روسيا تحترم الخصوصيات الثقافية، و الشئون الداخلية للغير بموجب احترامها لقواعد القانون الدولي.
الصين من أفضل نماذج العالم في استخدام الدبلوماسية والقوى الناعمة، عن أي دولة أخرى، وتحاول من خلال الدبلوماسية القوية والحوار البناء واحترام الشركاء، البعد عن أي نزاعات اقليمية وعالمية تدمر اقتصاديات الدول بما يسمح الازدهار والتقدم.
الصين تستخدم نماذج كثيرة لحل المشاكل الدولية وحل النزاع، وليس إدارة وإطالة النزاع للحصول على منافع اقتصادية، مثل بيع السلاح، كما تفعل امريكا وبريطانيا وفرنسا، ومن أسوأ النماذج التي تديرها الولايات المتحدة للأسف المشكلة الفلسطينية قضية القرن بشكل متحيز لصالح اسرائيل، والتي تسببت في كل المشاكل العربية والإقليمية.
بناءا على الحل الصيني و(إعادة تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية) كقوتين إسلاميتين كبيرتين، سيصبح هناك حلولا للمشكلة الفلسطينية، والمشكلة اليمينة طبعا، المشكلة السورية واللبنانية، ومكافحة التيارات الإرهابية، وهناك تواصل صيني تركي كبير للتداخلات في العديد من القضايا والملفات، وتركيا ايضا تقدمت بطلب الدخول لمجموعة (بريكس بلس)، وهذا بدوره سيكون له دورا في الأزمة الليبية والسورية وشرق المتوسط.
أقولها وبكل ما لدي من احترام – شكرا للصين.
وهذا للعلم.