القمة الثلاثية ودبلوماسية الفرصة الأخيرة
بقلم: أحمد طه الغندور
عُقدت أمس بالعاصمة المصرية قمة ثلاثية هامة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ الذي استضاف القمة، للنظر في تداعيات تشكيل حكومة جديدة لدى الاحتلال غاية في التطرف، تسعى بكل ما إتصفت به من جنون إلى جر المنطقة إلى الهاوية، دون الإخذ في الاعتبار الصراع الدولي المُندلع في أوكرانيا.
لذلك تراها منذ اليوم الأولى لها شرعت بالعديد من الخطوات الاحتلالية الغير شرعية والغير قانونية؛ مع كل صباح هناك أكثر من شهيد فلسطيني، المحاولات المجنونة لتغيير الوضع القانوني في القدس والأراضي الفلسطينية، النكران للوصاية الأردنية الهاشمية، الهدم، الاعتقالات، تقييد الحركة، قرصنة الأموال الحكومية الخاصة بالمقاصة، محاولات يائسة لمعاقبة أفراد الحكومة الفلسطينية لنيل قرار الجمعية العامة بالتوجه إلى المحكمة الدولية للنظر في شرعية الاحتلال جملةً وتفصيلا.
كما أن أهلنا في الداخل المحتل لم يسلموا من سياسات التغول والتطرف العنصري “الأبرتهايد” في أبشع صوره.
لذلك في استجابة سريعة للخطر المحدق كان لا بد من الاجتماع في القاهرة ـ عاصمة القرار العربي ـ بدايةً من ” دول القلب ” خط المواجهة الأول لتدارس الوضع في ارتفاع مؤشر الخطر للأمن القومي العربي، مع الأخذ بالاعتبار المعطيات الدولية المحيطة بالمنطقة.
بكثير من الحنكة السياسية، والدبلوماسية الواعية الواثقة بالحق العربي والقدرة على النصر بإذنه تعالى؛ جاءت رسائل القمة إلى جميع الأطراف؛ للأحباب قبل أن تكون للأعداء، كونها نابعة عن دبلوماسية الفرصة الأخيرة:
أولاً: ضرورة الحفاظ على الحقوق الفلسطينية المشروعة، واستمرار الجهود المشتركة لتحقيق السلام الشامل، والعادل، والدائم على أساس حل الدولتين، الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية.
وهذا يعني أن الدول صاحبة اتفاقيات السلام مع “الاحتلال” اختلفت نظرتها للأمور، لأنها تؤمن بأن العصابة الحاكمة في “تل أبيب” تسعى إلى الحرب والخراب، فأي سلام الأن؛ يجب أن يكون بشروط جديدة أكثر التزاما بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
كما تفيد أيضا بأن معاهدات السلام السابقة “محل اختبار”! وأن نهاية عهد “التطبيع” المجاني مع “الاحتلال” قد حلت.
لذلك فإن المطلوب:
دولياً:
1. التأكيد على الدعم الكامل لجهود الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
2. ضرورة توفير المجتمع الدولي الحماية للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
3. غياب الأفق السياسي للقضية الفلسطينية له تداعيات جد خطيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة.
4. ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
5. التأكيد على أهمية الالتزام بالوصاية الهاشمية التاريخية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس ودورها في حماية هذه المقدسات وهويتها العربية الإسلامية والمسيحية.
6. التأكيد على أهمية استمرار المجتمع الدولي في دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وفقاً للقرارات الدولية.
وفيما يخُص “الاحتلال” إن كان لديهم من يعقل:
1. أكد القادة ضرورة وقف جميع الإجراءات الإسرائيلية الأحادية اللاشرعية التي تقوض حل الدولتين، وفرص تحقيق السلام العادل والشامل والتي تشمل الاستيطان، والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وهدم المنازل، وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم، والاقتحامات الإسرائيلية المتواصلة للمدن الفلسطينية، وانتهاك الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها.
2. ضمان احترام حقيقة أن المسجد الأقصى المبارك بكامل مساحته البالغة 144 دونما هو مكان عبادة خالص للمسلمين، وأن دائرة أوقاف القدس وشؤون “الأقصى”، التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية، هي الجهة الوحيدة المخولة لإدارة شؤونه، وتنظيم الدخول إليه.
ثانيا: وهي الرسالة الأهم للداخل
فقد أكد القادة ضرورة توحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام، الذي يعد مصلحة وضرورة للشعب الفلسطيني الشقيق، لما لذلك من تأثير على وحدة الموقف الفلسطيني وصلابته في الدفاع عن قضيته، وعلى ضرورة اتخاذ إجراءات جادة ومؤثرة للتخفيف من حدة الأوضاع المعيشية المتدهورة لأبناء الشعب الفلسطيني.
مما يُوجب على الكل الفلسطيني البعد عن “العمى الفصائلي”، والتوجه إلى الوحدة بإخلاص؛ بعيداً عن الضغوطات الخارجية، وبعيداً عن “الوهم بالعظمة”، والعمل لسد الفرقة؛ لإن العكس تكون نتيجته، ” أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”.
أيضا من الضرورة بمكان أن تتوقف بعض “الأطراف العربية والخارجية” عن الإفساد بين الفلسطينيين لصالح “الاحتلال”.
القمة بدبلوماسيتها العالية؛ خاطبت الدول العربية والإسلامية حين أشارت إلى “المجتمع الدولي” في توفير أشكال الدعم المالي اللازم للشعب الفلسطيني، فهم الأولى في توفير هذا الدعم العاجل للشعب الفلسطيني عبر قيادته الشرعية.
أما الشكل الثاني للدعم؛ فهو المتمثل في “معاقبة الاحتلال” وبكافة الصور المشروعة وفق القانون الدولي، وهذه أيضاً يجب الشروع في خطواتها، فقد أصبح لـ “الاحتلال” مصالح اقتصادية في العديد من البلدان العربية والإسلامية التي يمكن البدء بها ـ وكما سبق القول وفق القانون الدولي ـ!
خطوات، ورسائل هامة أبرقت بها القمة، ولكن قبل أن يبدأ العقلاء في قرأتها وحسن الإمعان فيها، ـ وكما كان متوقع من الجميع ـ جاء الرد “الاحتلالي” لـ “عصابة تل أبيب” بطرد السفير” الأردني ـ المسلم ـ صاحب الوصاية ـ الدبلوماسي ” من رحاب المسجد الأقصى المبارك!
إذن؛ المطلوب الأن، أن يستنهض القلب كافة الجسد العربي لتوجيه الرد المناسب على “الجنون الاحتلالي” الذي قابل الحكمة السياسية، والدبلوماسية الراقية بمزيد من الجرائم والجنون!
فحُق لنا أن نُسمعه رداً أخر، فقد أعذر من أنذر!
لهذا الأعمى الذي لا يرى ولا يسمع الرفض الدولي له، ونعته بـ “النظام العنصري”!
في الختام، على الجميع الاستفادة والعمل برؤية القمة الثلاثية والمسارعة بالعمل بموجبها، مع حسن الإعداد لقمة عربية طارئة؛ قادرة على الإعداد للمستقبل بما يحفظ الحق العربي، ويحمي أمننا القومي!