وكالات – جاء الارتفاع الجيد في معدل النمو بسلطنة عُمان خلال عام 2022 كإحدى النتائج المهمة للمبادرات والإجراءات التي قامت بها الحكومة بتوجيهات وأوامر سامية من السلطان هيثم بن طارق التي أسهمت في تخطي الظروف الاستثنائية والأزمات التي مرت بها سلطنة عمان والعالم خلال السنوات الثلاث الماضية، وأدى تبني برنامج التوازن المالي منذ عام 2020 إلى توجه الوضع المالي نحو الاستقرار ودعم التعافي الاقتصادي عبر خفض الدين العام للدولة مما انعكس إيجابا على التصنيف الائتماني من قبل وكالات التصنيف العالمية.
وقدمت خطة التحفيز الاقتصادي بدءا من عام 2021 العديد من الآليات والإجراءات والمبادرات التي مهدت لتسريع عودة الأنشطة الاقتصادية وضمان النمو الاقتصادي بمعدلات جيدة، واتضحت نتائج التحفيز الاقتصادي وتحسين بيئة الأعمال من خلال زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية وارتفاع مشاركة القطاع الخاص، ووصول القيمة التراكمية للاستثمارات الأجنبية المباشرة في سلطنة عُمان لما يقارب 18 مليار ريال عُماني حتى نهاية النصف الأول من 2022 بنسبة نمو بلغت 17.4% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2021 نتيجة استحداث برامج داعمة مثل البرنامج الوطني للاستثمار وتنمية الصادرات العُمانية «نزدهر» وبرنامج إقامة مستثمر إضافة إلى التطوير المستمر لبوابة استثمر بسهولة والإضافة المتواصلة لمزيد من الخدمات لهذه البوابة الموحدة لخدمات المستثمرين.
اهتمام بريادة الأعمال
وشملت إجراءات ومبادرات تحفيز الاقتصاد النظر في بعض الرسوم للخدمات الحكومية لتسهل تدفق الاستثمار، ومساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والحد من تعثرها، حيث واجهت أنشطة ريادة الأعمال تحديات متزايدة منذ الجائحة سواء بسبب عمليات الإغلاق المصاحبة أو بسبب التبعات التي سادت بسبب تراجع أسعار النفط لعدة سنوات، وقدمت سلطنة عمان العديد من حزم التحفيز والمساندة لرواد الأعمال والتي ركزت بشكل كبير على دعم الأنشطة القائمة والنهوض بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على وجه الخصوص، والتي تمثل نحو 90 بالمائة من المؤسسات المسجلة في سلطنة عمان، وذلك من خلال إجراءات ومبادرات أقرها مجلس الوزراء استهدفت أكثر من 10 آلاف مواطن شملت إعفاء المقترضين مـن محفظة القروض الطارئة ببنك التنمية العماني بنسبة 100%، وإعفـاءات لرواد الأعمال حاملي بطاقـة ريادة المستفيدين مـن القروض الطارئة الإضافية والممنوحة مـن هيئـة تنميـة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بنسب، وإعفـاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مـن الرسـوم والغرامات المترتبة على التأخير في سداد القروض المبرمة مع المحفظة الإقراضية (صندوق الرفد سابقا) حتى نهاية 2022، وتأجيل رفع القضايا ضد غير الملتزمين بأحكام بنود اتفاقيات القروض المبرمة مع المحفظة الإقراضية (صندوق الرفد سابقا) حتى نهاية 2022، بالإضافة إلى سداد مبالغ مستحقة وإلغاء الأحكام على بعض رواد الأعمال العمانيين.
رؤية متفائلة
وفي رؤية متفائلة، أكدت وزارة المالية بسلطنة عُمان خلال لقاء الإعلامي الذي نظمته أواخر ديسمبر، إنه تم إعداد مشروع الميزانية العامة للسنة المالية 2023م استنادا على مجموعة من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية منها الاستقرار المالي والاقتصادي واستمرار مبادرات التعافي الاقتصادي، والحفاظ على معدلات التضخم عند مستويات معتدلة بنحو 3%، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص وتحفيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ودعم الإنفاق الاستثماري على المشاريع الحكومية، وتحقيق نمو اقتصادي لا تقل نسبته عن 3%، واستمرار سياسات دعم التنويع الاقتصادي، واستيعاب الباحثين عن عمل وفق خطة البرنامج الوطني للتشغيل، والحفاظ على مستويات الخدمات الاجتماعية والأساسية، ودعم برامج تنمية المحافظات، وخفض الديون إلى الحدود الآمنة، وتطبيق البرنامج الوطني للتحول الرقمي.
وأجمعت مجموعة من الخبراء والمحللين الاقتصادين على ضرورة الاستمرار في الإجراءات والسياسات المالية التي انتهجتها حكومة سلطنة عمان خلال الأعوام الماضية للحفاظ على ما تحقق من إنجازات اقتصادية ولمواصلة تعزيز النمو المستدام، مشيرين إلى أهمية التركيز على البحث العلمي والابتكار كونه أداة فاعلة لتحقيق التنمية المستدامة وتنمية الاقتصاد. مؤكدين على ضرورة الدفع بملفات التنويع الاقتصادي لتحقيق مزيد من التقدم، وتسريع التحول الرقمي، وتنمية المحافظات، إضافة إلى تسهيل إجراءات واشتراطات الاستثمار الأجنبي وتطوير أطر الاستثمار في قطاع الصناعات التحويلية والثروة السمكية وغيرها من القطاعات.
جهود مقدرة
ومن جانبه، أشاد الخبير الاقتصادي الدكتور قيس السابعي بالإجراءات والسياسات المالية التي اتبعتها الحكومة كترشيد النفقات العامة وتحديدها على مستوى الجهات الحكومية وتقنين سياسة الرسوم المالية وغيرها من التدابير التي أسهمت في تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال ارتفاع القوة الشرائية المحلية في الاقتصاد الجزئي وارتفاع مؤشر بورصة مسقط، واستقرار سعر الريال العماني. وقال: وفقت الحكومة في اهتمامها بالإعلام الاقتصادي لتسليط الضوء على المتغيرات الاقتصادية في سلطنة عمان عبر منصات التواصل الاجتماعي والمحطات الإعلامية السمعية والمرئية والمقروءة مما كان له نتائج إيجابية أثمرت عن تنشيط الاقتصاد الوطني ورفع ميزان المدفوعات المحلية.
ويتوقع السابعي أن ترتفع نسبة مساهمة الاقتصاد المعرفي أو الاقتصاد القائم على الابتكار في الناتج المحلي الإجمالي نتيجة الاهتمام المتزايد بهذا القطاع من قبل حكومة سلطنة عمان ومن خلال كيانات تعزز اقتصاد المعرفة مثل مجمع الابتكار بمسقط، وإقامة مهرجان العلوم السنوي لتشجيع طلبة المدارس للاهتمام بالجانب الابتكاري، ويأمل السابعي في أن تواكب سلطنة عمان ما يشهده العالم من توجه مستمر نحو تعزيز الابتكار.
ويرى السابعي أنه من المهم أن تستمر حكومة سلطنة عمان على نهج السياسات الواضحة التي رسمها صاحب الجلالة لتعزيز استدامة النمو الاقتصادي خلال المرحلة المقبلة وتطوير السياسات المالية مع تعزيز ضمان وفرة السيولة المالية لتعزيز الاقتصاد المحلي، وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل إجراءات الاستثمار الأجنبي، وتحقيق الأمن الغذائي، والصناعات التحويلية، وتعزيز القطاع اللوجستي، وتنشيط السياحة في المحافظات والاهتمام بالجانب الترفيهي كإقامة المهرجانات على سبيل المثال مهرجان صحار الذي استقطب آلاف الزوار، والترويج الإعلامي للاقتصاد الوطني والمنتجات المحلية والسياحة. وبيّن السابعي أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعد واجهة الاقتصاد المحلي نظرا لمزاياها المتعددة في رفد السوق المحلي بالمنتجات المتنوعة، ومواكبتها للتقنية الحديثة، وخلق فرص عمل، وتحفيز الإبداع والابتكار، وتقديم خدمات وسلع استهلاكية تواكب متطلبات العصر الحديث،وتسهم في زيادة الصادرات.
تعزيز القطاع الخاص
ويرى الدكتور يوسف البلوشي خبير اقتصادي أنه يمكن تحقيق الاستدامة المالية التي تسعى لها سلطنة عمان من خلال تعزيز الإيرادات غير النفطية، وزيادة دور القطاع الخاص، وإيجاد أطر مناسبة للاستثمار في قطاعات واعدة مستقبليا كالتعدين والثروة السمكية والهيدروجين الأخضر وغيرها من القطاعات التي تستوجب وجود سياسات عامة محفزة للمستثمرين.
وقال البلوشي: نجاح سلطنة عمان في المرحلة القادمة اقتصاديا مرتبط بنجاح شركات القطاع الخاص الأمر الذي يستوجب مضاعفة الجهود لتذليل العقبات التي تواجهها وتحسين بيئة الأعمال وتوفير الموارد البشرية بالمهارات المناسبة واللازمة للمراحل القادمة، حيث لا تزال هناك إشكاليات كبيرة تتعلق بتكلفة الحصول على العمالة ونوعيتها. كما نادى بضرورة الاهتمام بالبحث العلمي والابتكار وجعله ثقافة راسخة على مستوى الشركات والأفراد والحكومة.
ولتمكين القطاع الخاص للقيام بدوره في تنمية الاقتصاد الوطني قال البلوشي: من أهم الأولويات التي يجب التركيز عليها لتعزيز النمو الاقتصادي في سلطنة عمان هو توفير رأس المال بالتكلفة والاشتراطات المناسبة للتمويل حيث لا تزال تكلفة رأس المال مرتفعة جدا محليا، وغير متوفر لمحدودية البنوك المحلية وكذلك الاشتراطات الكبيرة والضمانات المطلوبة التي تحد من قدرة الأفراد والشركات للحصول على التمويل المطلوب لإقامة المشاريع في المجالات المختلفة والدفع بـملفات التنويع الاقتصادي.
نحو التنويع الاقتصادي
ويرى عبدالله السعيدي محلل اقتصادي، أن الإسراع في عملية التنويع الاقتصادي هو ما تحتاجه سلطنة عمان في المرحلة القادمة، وأوضح: سيؤدي التنويع في الاقتصاد إلى خلق استدامة ونمو في البلد لإنهاء فعلي للاقتصاد الريعي أو النفطي ولابد من تنويع مصادر الدخل بوتيرة أسرع، إلى جانب تبسيط الإجراءات وتسهيل دخول المستثمرين الأجانب. كما نأمل مواصلة العمل على تنفيذ الإصلاحات لرؤية عمان 2040 لتحقيق نمو اقتصادي غني بالوظائف، والتركيز على مشاركة القطاع الخاص، وتعزيز سوق العمل وتحسين بيئة الأعمال والاستمرار في إصلاح المؤسسات الحكومية والإسراع في الاستفادة من عملية التحول الرقمي، ومعالجة التحديات المناخية، وتعزيز هوامش الأمان المالية، والخارجية الخاصة بالحساب الخارجي لتفادي أي صدمات مستقبلية سواء كانت بسبب تقلبات أسعار النفط أو أسباب صحية مثل جائحة كوفيد.
الابتكار لبنة أساسية للتنمية
ولتحقيق التنمية المستدامة التي تسعى لها سلطنة عمان، ترى الدكتورة حبيبة المغيرية رئيسة قسم الاقتصاد وإدارة الأعمال بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بإبراء أنه لا بد من التركيز على تعزيز الابتكار، الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من توجهات التنمية المستدامة للدول، وذلك لدوره الكبير في تحريك الاقتصاد وتطوره إلى جانب تعزيز القيمة المضافة.
وقالت: أسهمت المبادرات المبنية على الابتكار في إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتقنية واللوجستية البيئية، وتعزيز قطاع ريادة الأعمال وتنويع السلع والخدمات الجديدة والمبتكرة واستغلال الموارد الطبيعية بشكل فاعل، إلى جانب رفع المستوى الثقافي للمجتمع في مجال الابتكار والإبداع والتحول الرقمي، والاستغلال الأمثل لطاقات الشباب الفكرية واستمرار توفير الدعم لهم المعنوي والمادي وخصوصا الدعم التحفيزي للتعمق في مجال الابتكار.
وترى المغيرية أن توظيف الابتكار في الاقتصاد يعد مثريًا، وإذا ما تم استغلاله بالشكل الأمثل فإنه سيسهم في رفع مركز سلطنة عمان في مؤشر الابتكار العالمي، ومؤشر التنافسية العالمية، ورفع مستوى وعي المجتمع وتغيره من مستهلك إلى منتج، إضافة إلى تعزيز قطاع ريادة الأعمال، وخلق فرص عمل وتنوع المنتجات المبتكرة، وزيادة كفاءة ومعدل الإنتاجية، وتوفير خدمات سريعة في متناول الجميع.