رأى

‘التوجه إلى محكمة العدل الدولية’ بين السياسي والقانوني

استمع الي المقالة

بقلم: أحمد طه الغندور

 في العاشر من نوفمبر الحالي تقدمت دولة فلسطين بمشروع القرار رقم: ” A / C.4 / 77 / L.12 / Rev.1 ” إلى اللجنة الرابعة للجمعية العامة وهي “اللجنة المعنية بالمسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار”، وكان البند 47 من جدول الأعمال، موضع النقاش من أجل إصدار قرار بشأن ” الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية”.

لم تتخلَ اللجنة الدولية عن إنصاف الشعب الفلسطيني؛ فقررت وفقاً للمادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة، ما يلي:

أن يُطلب من محكمة العدل الدولية، وفقاً للمادة 65 من النظام الأساسي لـلمحكمة، إبداء رأي استشاري بشأن الأسئلة التالية؛ مع الأخذ في الاعتبار قواعد ومبادئ القانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، القانون الدولي الإنساني، القانون الدولي لحقوق الإنسان، القرارات ذات الصلة لمجلس الأمن، والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان، وفتوى المحكمة المؤرخة 9 تموز / يوليه 2004:

(أ) ما هي التبعات القانونية الناشئة عن الانتهاك المستمر من قبل “إسرائيل” ـ قوة الاحتلال ـ على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير منذ فترة طويلة من الاحتلال والاستيطان وضم الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك التدابير التي تهدف إلى تغيير التكوين الديموغرافي والوصفي، ووضع مدينة القدس الشريف، ومن تعمدها على تطبيق تشريعات وإجراءات تمييزية قصداً.

(ب) فيما يخص السياسات والممارسات الإسرائيلية المشار إليها في الفقرة (أ) أعلاه، لابد من فهم كيف تؤثر على الوضع القانوني للاحتلال، وما هي التبعات القانونية التي تنشأ على عاتق جميع الدول والأمم المتحدة نتيجة هذا الوضع؟

ثم طالبت السكرتير العام للأمم المتحدة بتنفيذ القرار.

وكأن القرار المطلوب لا يُراد له البحث في إدانة الاحتلال، ولكن ماهية الأليات الكفيلة بالتخلص منه، مع تحميل دول العالم، والمنظمة الدولية مسؤولية ذلك!

ولقد جرى التصويت على القرار بالنتيجة التالية: 98 دولة لصالح القرار، ومعارضة 17 أخرى، كما امتنعت 52 دولة عن التصويت، وبذلك تُعتبر هذه النتيجة جولة تُحسب لصالح الدبلوماسية الفلسطينية!

هذا القرار التمهيدي، يجب أن يمر بمرحلة الاعتماد من الجمعية العامة بالتصويت عليه أواسط الشهر القادم، ومن ثم يخاطب السكرتير العام للأمم المتحدة بكتاب رسمي محكمة العدل الدولية لطلب الرأي الاستشاري.

وهذا بأمر الله كائن؛ لتشهد قاعة المحكمة الدولية الشهيرة اللقاء الفلسطيني الثاني خلال عقدين من الزمن!

السؤال الأهم الأن؛ ما هو الباعث وراء هذا الطلب للرأي الاستشاري، أهو سياسي أم قانوني؟!

هل هو للمناورة السياسية “التفاوضية”؟ أم هو قانوني من أجل استعادة الحقوق، والخلاص من الاحتلال؟!

لأن الإجابة على هذا السؤال تحدد مصير القرار الصادر عن المحكمة الموقرة، هل سيُلقى في أحد الأدراج ـ مثل القرار بشأن جدار العزل ـ أم ستتولى الجهات المعنية اتخاذ كل الوسائل اللازمة لتطبيقه؟!

في القرار السابق؛ نجح القانونيون بأداء مهمتهم على خير وجه، ولكن بعض من “السياسيين المتنفذين” الخاضعين لسياسة “العصا والجزرة” أوهموا القيادة في حينه أنه عند التوجه لمحكمة الدولية، أو استخدام القرار ستتعطل المفاوضات، سينزل “العقاب الاحتلالي”، وسيلحق به “الغضب الأمريكي” وتوابعه المتعددة شرقاً وغربا!

لكن اليوم، فإن أبسط إنسان يستطيع أن يجزم بأنه؛ لا فرصة للسلام على هذه الأرض مع “الاحتلال”، فشكله “الفاشي” اليوم لا يقبل به “اليهودي” العادي في داخل “الكيان” أو في “الولايات المتحدة”، وأن “الإدارة الأمريكية” الحالية أو القادمة لا تملك أن تمنح أي وهم بشأن السلام، وأن جوهر الحديث لدى “الكيان” و “الولايات المتحدة” عن “السلام التطبيعي” مع بعض “الأنظمة العربية”، وبعض “الأنظمة” في العالم الإسلامي التي تخشى من اهتزاز العروش، لذلك لا حرج لديها في تجاوز الفلسطينيين!

بينما في الأمس فقط، قد أكد “مونديال قطر” على مدى التفاف الشعوب حول فلسطين!

لا يُقبل من أي سياسي فلسطيني أو عربي أي زعم لإحباط التوجه للمحكمة الدولية، أو منع استخدام القرار القادم بإذن الله، بل المطلوب أيضا تفعيل قرار الجدار معه في ذات الوقت، لأن هذه فرصة قد لا تتكرر، والوضع على أرض الواقع يوشك على الانفجار في وجه الجميع!

ولكي يعلم “أصحاب الوسواس القهري” من السياسيين أهمية هذا القرار بالنسبة لنا؛ عليهم النظر إلى ما عليه الحال عند “الاحتلال” من ردات فعل هستيرية، ولكن العمل لديهم يجري ليل نهار وعلى كل المستويات لإحباط المشروع، أو تخفيف بعضاً من عواقبه!

قد لا يظهرون أمام المحكمة الدولية ـ كإدعاء بعدم الاهتمام، أو لا سلطان للمحكمة عليهم ـ ولكنهم بالتأكيد سيُحاولون الوصول إلى أعضاء المحكمة كونهم بشر، وورائهم دول يحسبون حسابها ويهتمون بمصالحها!

لذلك يجب منح الجانب القانوني الثقة الكاملة للعمل دون التأثر بهلوسات سياسية!

لا بد من تشكيل لجنة قانونية رفيعة المستوى للعمل الفوري لدراسة القرار، وسبر تفاصيله، والعمل على تحضير المستندات بكافة أشكالها، والإعداد للمرافعات المكتوبة، والشفوية أمام المحكمة.

 تحديد الخبراء العاملين على الدعوى، واختيار طاقم الدفاع للمرافعة، وللاستشارات القانونية المساعدة، ـ قد يكون منهم جزءً من طاقم دفاع الجدار ـ والأفضل التطعيم بخبرة القضاة الدوليين العرب الأفذاذ الذين خدموا في المحكمة الدولية؛ ـ مع حفظ الألقاب ـ البجاوي، والعربي، والخصاونة.

جزئيات كثيرة تتعلق في صلب الموضوع حول السؤال الأصلي وفرعياته التاريخية والقانونية، الشكل والمضمون، الحقوق والواجبات، الدعم الدبلوماسي المطلوب، لجان المتابعة، حتى التمويل وغيرها من قضايا تحتاج إلى جلسات عصف فكري مغلق ليس لها محل على أي منبر إعلامي، أو وسيلة اتصال، والجميع جاهز وقادر أن يدلي بدلوه، وهذا ما يجب أن يؤخذ بالاعتبار.

فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى