رأى

 نظرة على استراتيجية الأمن القومي الأمريكي

استمع الي المقالة

بقلم: أحمد طه الغندور

 بعد فترة معتبرة من التأخير؛ تقدمت إدارة الرئيس الأمريكي “بايدن” بوثيقتها حول “استراتيجية الأمن القومي الأمريكي” إلى الكونجرس كما تقضي الأعراف السياسية في الداخل الأمريكي، والتي تبلور جوهرها كما جاء في عنوانها على “التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية لأمريكا”!

وكأن أمريكا مُحصنة تماماً من الداخل، ولكن البحث يدور مكانتها على الساحة الدولية!

قد يعكس هذا بعضاً من الحقيقة حول “تحدي المكانة العالمية”، ولكنها غير محصنة من الداخل، وكأن الوثيقة أغمضت عينها عمداً عن “واقعة الكونجرس” “وهجوم القومية البيضاء”؛ التي رافقت انتخاب هذه الإدارة، بالإضافة إلى الأزمات الداخلية المتنامية!

“بايدن” وبكل ثقة تحدث في إفتتاحية الوثيقة عن؛ “الحاجة إلى القيادة الأمريكية في جميع أنحاء العالم كبيرة كما كانت في أي وقت مضى” وأضاف: “نحن في خضم منافسة استراتيجية لتشكيل مستقبل النظام الدولي”.

وفي تحدٍ بالغ قال: “لن نترك مستقبلنا عرضة لأهواء أولئك الذين لا يشاركوننا رؤيتنا لعالم حر ومنفتح ومزدهر وآمن. مع استمرار العالم في التغلب على الآثار المستمرة للوباء وعدم اليقين الاقتصادي العالمي، لا توجد دولة في وضع أفضل للقيادة بقوة وهدف من الولايات المتحدة الأمريكية”!

ربما هذه الإفتتاحية لا تبتعد كثيراً عما كان يفكر به “جورج بوش” أو حتى “ترامب” جميعها تأتي من نفس العقيدة النابعة من أفكار “صموئيل هنتغتون” في كتابه “صدام الحضارات” و “فرانسيس فوكوياما” في كتابه “نهاية التاريخ”؛ لكن المصيبة هنا أن “بايدن” يُمثل الحزب الديمقراطي ذو الفلسفة الليبرالية الحديثة!

فمن الحليف لأمريكا؟ ومن الشريك؟ ومن العدو؟

ما هو مفهوم المنافسة المقبولة في “الوثيقة”، وما هي حدودها ومن سيواجه بالقوة من الأعداء، ومن سيحظى بـ “الاحتواء”؟ وما هي أسس التفرقة بينها في ضوء “المعايير المزدوجة” التي فضحتها الحرب الأوكرانية؟!

فكيف يمكن معالجة هذا التناقض الرئيس في أساسيات الاستراتيجية التي أوردتها الوثيقة؟!

لكني اليوم أرغب في التركيز على نظرة “الوثيقة” على عالمنا العربي؛ أين نحن من استراتيجية الأمن القومي الأمريكي؟!

بكلمات قليلة أشارت “الوثيقة” إلى المنطقة بعبارة “الشرق الأوسط”، وهنا يأتي ” عالمنا العربي ” جزءً من كل، وفي إطار من خمسة مبادئ يمكن أن نلمس سياسة “واشنطن” في الشرق الأوسط ـ والتي بالمناسبة تمارسه الإدارة الحالية منذ انتخابها ـ على النحو التالي:

أولا: ستدعم “واشنطن” وتعزز الشراكات مع الدول التي تحترم قواعد “النظام الدولي”، مع تأكيد ضرورة تمكين هذه الدول من الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية.

ثانيا: لن تسمح “واشنطن” للقوى الأجنبية أو الإقليمية بتعريض حرية الملاحة عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط للخطر، بما في ذلك مضيق هرمز وباب المندب.

ثالثا: ستعمل “واشنطن” على خفض التوترات وخفض التصعيد وإنهاء الصراعات حيثما أمكن ذلك بالدبلوماسية.

رابعا: “ستعمل واشنطن” على تعزيز “التكامل الإقليمي” من خلال بناء “روابط سياسية واقتصادية وأمنية” بين “شركاء الولايات المتحدة” وفيما بينهم، ومن ذلك هياكل الدفاع الجوي والبحري المتكاملة، مع احترام سيادة كل دولة وخياراتها المستقلة.

خامسا: ستعمل الولايات المتحدة دائماً على تعزيز حقوق الإنسان والقيم المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة.

وأبرزت الوثيقة ما تراه مخاطر وتهديدات إيرانية لواشنطن وحلفائها ـ هذا ما يقال للعرب فقط ـ، وأكدت دعمها “اتفاقات أبراهام” بين “إسرائيل” والدول العربية، وكررت دعمها لحل الدولتين بوصفه أساسا لتسوية الصراع العربي ـ “الإسرائيلي”.

بكلمات بسيطة يمكن القول؛ أن رسالة أمريكا للعالم العربي؛ هذه سياستنا ـ العصا والجزرة ـ لستم أولوية لنا، أوليتنا مواردكم، أما المطلوب منكم فهو الولاء الكامل لتحظوا بالحماية!

عليكم بالابتعاد عن “الصين وروسيا”، والتطبيع السريع مع “تل أبيب”، تسخير مواردكم وثرواتكم وفق الرغبة الأمريكية؛ مع ضمان خطوط التجارة الدولية!

وإلا من السهل أن نرفع في وجهوكم عصا “الديمقراطية وحقوق الإنسان”، لأن “الظن الأمريكي” أن عروش حكام المنطقة مهتزة!!

وفي تعليق بسيط نقول؛ أن أمريكا تظن أنها “الزعيم” أو القطب الأوحد في هذا العالم، وأن الدبلوماسية الدولية هي التي ترسمها؛ وأنها لا زالت تملك زمام “الأمم المتحدة” ـ وفي رأي المتواضع أن الرئيس الفلسطيني قد دق المسمار الأخير في نعش المنظمة الدولية في كلمته على منبرها في سبتمبر الماضي ـ وتناست المطالب الدولية المتلاحقة بالإصلاح!

لا أدري أي ديمقراطية، وأية مبادئ لحقوق الإنسان التي تجيز الاحتلال والعدوان، والجرائم الدولية ليس في فلسطين فقط، بل على مدى خريطة الشرق الأوسط بل والعالم بأسره! متجهلة قيمة فلسطين في عقيدة العديد من دول الشرق الأوسط!

ختاماً، لا بد أن ندرك عمق ثقافة الشارع العربي حين قال: ” المتغطي بأمريكا عريان “!

فهل أخذت ” أمريكا ” في اعتبارها أنها لم تعد على القمة، وليس لها أية قيمة للتفوق؛ مادية أو أخلاقية!، وأن دولة مدينة! وأن العالم يمكن أن يسحب مدخراته، واستثماراته من أرضها! وأنها في اللحظة الأخيرة من امتلاك أداتها الدبلوماسية الأعظم “الأمم المتحدة”، وسيتوالى تراجع دور المؤسسات الأخرى؛ البنك الدولي و …

الخبراء في “واشنطن” يدركون مدى التناقض القيَمي في مبادئ وعناصر هذه الاستراتيجية “العقيمة”، فلماذا ننظر إليها أو نهتم بها، ونحن لدينا الرد عليها ـ أعــــدوا ـ !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى