رأى

تحديات إدارة محتوى.. وسائل وتطبيقات التفاعل ومنصات التواصل الاجتماعي

استمع الي المقالة

بقلم: زياد عبيد

خبير إعلام – جامعة الدول العربية 

في الأعوام الأولى من انتشار شبكة الانترنت حول العالم، كان هذا الانتشار مصحوب بسعادة مفرطة وساذجة أحيانا لما أتاحته الشبكة العنكبوتية للمعلومات من آفاق جديدة وغير مسبوقة لنقل المعلومات والتواصل بشكل دائم وعلى مدار الساعة. لقد خلقت الشبكة العنكبوتية وتطبيقاتها بعدا جديدا لحياتنا اليومية وأصبحت بين ليلة وضحاها مكون أساسي في الحياة المعاصرة لا يمكن الاستغناء عنه. وأضافت الأجهزة المحمولة من حواسيب وتليفونات امكانية الولوج الدائم للشبكة كما ساهمت أيضا في خلق تطبيقات وفضاءات تفاعلية وسعت من قدرات التواصل بين الأفراد والمجموعات. كما وفرت الشبكة العنكبوتية بدائل للبريد الورقي وبدائل للمنصات الإعلامية التقليدية بل طغت تلك البدائل على الأشكال النمطية القديمة لكثير من الخدمات الهامة. ومع الوقت ظهرت مجموعة من السلبيات ومن الظواهر المؤثرة سلبا على الأفراد والمجتمعات وحتى على مستوى الدول. وخلال عقدين من الزمن تسللت العديد من الممارسات الخطيرة والغير شرعية للشبكة وأضحت تشكل ظواهر مقلقة على كافة المستويات. لقد تمكن الأفراد والمجموعات من استغلال الشبكة العنكبوتية في مجالات الجريمة المنظمة والجرائم العابرة للحدود، كما انتشرت أيضا استغلال التطبيقات المختلفة المنصات التواصل والتفاعل في قضايا الإرهاب، والتحريض على العنف وانتشار الأفكار المتطرفة والعنصرية المناهضة لكل الأعراف الإنسانية والسماوية. وأصبح الاستخدام السلبي لشبكة الانترنت وتطبيقاتها المتنوعة ومنصاتها التفاعلية يشكل تحدي كبير للشركات الخاصة التي أنشأت التطبيقات والمنصات، وللمجتمعات والأفراد الذين فوجئوا بتعرضهم لهجوم ضاري من خلال هذا البعد الافتراضي وتكبدوا من خلاله خسائر هائلة.

وفي السنوات العشرة الأخيرة زادت الضغوط الحكومية والمجتمعية والقانونية على الشركات المشغلة لتلك التطبيقات التفاعلية ومنصات التواصل الاجتماعي لاتخاذ المزيد من التدابير والعمل على الحد من الاستخدام السلبي والخطر والمهدد لأمن واستقرار المجتمعات والأفراد.

ومن المعروف من الاحصائيات أن أعداد رواد تلك التطبيقات والمنصات تقاس بملايين بل ومليارات الأفراد من شتى أنحاء الكرة الأرضية، والأعداد في تزايد مستمر. لذلك يشكل عبئ متابعة ومراقبة والتعامل مع المحتوى الناتج عن تفاعل وتداخل هذه الأعداد الضخمة على التطبيقات والمنصات المتنوعة، مكلف ومضني للغاية، مما استدعى الشركات المشغلة لابتكار حلول مختلفة لمواجهة تلك الظواهر السلبية المؤثرة. وفي هذا السياق تستخدم بعض الشركات ما يطلق عليه (لوغاريتمات Algorithms) أمنية تتفاعل مع ورود نصوص أو مفردات تنبه باحتمالات اختراقات أو تخطي للقواعد والقوانين الملزمة لرواد المنصات والتطبيقات. ويبرز في هذا السياق تساؤل هام حول من يضع هذه اللوغاريتمات أو من يضع حدود هذه اللوغاريتمات؟ كما يساهم أيضا التطور العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence AI) في رفع مستويات الحيطة والتأمين من الاستخدامات الغير قانونية. ولكن الإشكالية تقع حين تختلف المجتمعات والدول على المصطلحات وعلى التصرفات وعلى مبادئ ما هو مسموح وما هو ممنوع. وكمثال عملي، اختلفت الدول والمشرعين وغيرهم من معنيين حول مصطلح (التطرف) و (التطرف العنيف) (Terrorism) (Violent Terrorism) وأي منهم يتطلب التعامل الفوري وكيفية ترجمة هذه المفردات وما تعنيه وما يترتب عليها من أفعال. وتختلف الدول والحكومات والمجتمعات أيضا حول مبادئ حرية التعبير وما يعنيه هذا المبدئ وما يترتب عليه من مسؤوليات وأفعال ونتائج. إذا تبرز هنا ضرورة تعريف المحتوى السلبي وفهم أبعاده بشكل واضح والاتفاق حول مفرداته ومصطلحاته وتوحيد المفاهيم حوله.

وتنقسم التدابير المقترحة للتعامل مع التعديات والمخالفات المتعلقة بسوء استخدام التطبيقات والمنصات التفاعلية بما في ذلك نشر وإتاحة المحتوى المخالف للمعايير والقواعد إلى ثلاث حزمات أساسية وهي،

أولاً، يمكنهم إزالة المحتوى، وحذف المنشورات الفردية، وإزالة النظام الأساسي للمستخدمين أو حتى مجتمعات بأكملها، وبخلاف ذلك إزالة المحتوى المسيء والخطير. ثانيًا، يمكنهم محاولة إعادة تشكيل التوزيع – الحد من ظهور المنشورات الهجومية، وتقليل (أو على الأقل عدم الترويج) لأنواع معينة من المحتوى مثل المعلومات الخاطئة عن اللقاح، واستخدام ملصقات التحذير – ومحاولة تقليل أو الحد من المشاركة مع مواد معينة ولكن السماح لها بالبقاء على منصاتهم. أخيرًا، يمكن للشركات محاولة إعادة تشكيل الحوار على منصاتها، وتمكين الوسطاء والمستخدمين بطرق تجعل المحتوى المسيء أقل عرضة للانتشار.

 ويوجد نقاش وجدل واسع حول استخدام إحدى التدابير الثلاثة المشار إليها فيما يتعلق بتمكن المخالفين لقواعد التفاعل على التطبيقات والمنصات التحايل على عقوبات الشطب أو إلغاء التواجد بالظهور بأسماء مستعارة أو انتحال أسماء وشخصيات حقيقية. وينتقد البعض أيضا إجراءات الشطب والإلغاء أو الحجب بأن تلك التدابير تدفع المخالفين للتخفي والابتعاد عن الرقابة وإيجاد وسائل بديلة للهرب والاستمرار في ارتكاب المخالفات. 

والسجال والجدل أيضا دائر في أوساط إدارة التطبيقات والمنصات التفاعلية حول تساؤل، من يراقب من؟ وهل يجب السماح للحكومات والأنظمة بتقييد حرية الأفراد أو مراقبتها لما لذلك من آثار سلبية من جهة هروب المستخدمين أو توقفهم عن التفاعل والتداخل على تلك المنصات التي تسمح بالرقابة والمتابعة والابلاغ لما يمثله ذلك من انتهاك للحريات الشخصية. وعلى الجانب الاقتصادي وبمنطق الربح والخسارة يرى البعض أيضا أن تنوع وتعدد مولدي المحتوى يحتاج لأعداد هائلة من المتابعين أو المراقبين بالإضافة للتكلفة الباهظة للمعدات والوقت والعمالة مع احتمالية اختراق هذه التدابير بأشكال مختلفة فتصبح الخسارة مضاعفة.

وفي كل الأحوال يعاني العالم العربي من كونه مستهلك ومستخدم للتطبيقات والمنصات التفاعلية ولا يمتلك القدرة الحقيقية لحث الشركات العملاقة التي تشغل معظم التطبيقات والمنصات على الامتثال لمتطلبات مجتمعاتنا. وفي خضم الهجوم الشرس على ثوابت المجتمع العربي وقيمه ومبادئه تستخدم حجج متنوعة للحيلولة دون تحقيق ما نراه من ضرورات لصون مجتمعاتنا والحفظ على أمنها واستقرارها. 

ومنذ 2011 تحديدا عاصرت الدول العربية لتظاهرات واضطرابات شعبية وإرهاصات كبيرة تخللها الكثير من العنف وعدم الاستقرار بل اشتعلت الحروب الأهلية وزادت التهديدات والتحديات مما تسبب في توقف مسيرات التنمية والنمو الاقتصادي، وعزا الكثيرين ما حدث لاستغلال البعض للمنصات والتطبيقات التفاعلية في نشر المعلومات الخاطئة والمغلوطة والإشاعات والتحريض وإشاعة الفوضى والدعوة للعنف. ومنذ ذلك الحين تتعرض مواقع التواصل والتطبيقات والمنصات التفاعلية لكثير من النقد وتوجه للشركات التي تديرها الاتهامات واللوم على التقصير في التعامل مع المخالفات المخلة بأمن واستقرار الشعوب، وهي التهم التي ترفضها تلك الشركات وتتبرأ منها بل وتتهم الحكومات والدول في التقصير وعدم التجاوب مع متطلبات الجماهير والشعوب بشكل مثمر وفعال.  

وهنا تبرز مجددا الحاجة الملحة لضرورة لحاقنا بالركاب الدولي وتشجيع شركاتنا من القطاعات الخاصة والعامة على دخول عالم انشاء وتشغيل والاستفادة من التطبيقات والمنصات التفاعلية، وجذب أكبر عدد من المستخدمين من العالم العربي والعالم بشكل أوسع والاستفادة من الأرباح الطائلة في هذا المجال بالإضافة لإمكانية الحفاظ على الأمن والاستقرار في بلداننا وصون مجتمعاتنا وأفرادنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى