أشرف أبو عريف
رغم التحديات المحلية والعالمية نجحت سلطنة عمان خلال العامين الأخيرين في تحويل الاقتصاد من التراجع في عام الجائحة إلى تعافي ونمو متواصل منذ العام الماضي، وتكلل ذلك بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 25 بالمائة بنهاية الربع الأول من هذا العام، مع ترقب استمرار النمو خلال النصف الأول من هذا العام والمتوقع إعلان بياناته رسميا خلال الفترة المقبلة في ظل مؤشرات محلية ودولية تشير لاستمرار النمو طوال هذا العام وكذلك على مدار سنوات الخطة العاشرة.
ومع بدء تنفيذ رؤية عمان المستقبلية العام الماضي وخطتها التنفيذية الأولى خطة التنمية العاشرة، يشهد النمو مسارا واضحا يرتكز على جهود متكاملة لتحقيق أولوية الاقتصاد والتنمية كهدف أساسي للمرحلة الحالية، وبينما توجه الخطة الخمسية مستهدفات النمو علي المدى القصير والمتوسط، يستمد النمو المستدام زخما للاستمرار على المدى الطويل من الرؤية المستقبلية «عمان 2040» وخطط التنمية المقبلة للوصول إلى التحول الفعلي نحو الاقتصاد المتنوع المرتكز على قطاعات وروافد متعددة والوصول بمساهمة القطاعات غير النفطية إلى 90 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي السنوي.
وعلى مدى الأشهر الماضية، اتسمت المشروعات الكبرى الجديدة التي تم الإعلان عنها بالتنوع الاستراتيجي والتركيز على قطاعات النمو المستهدفة وفتح الطريق لإيحاد قطاعات جديدة تعزز نمو الاقتصاد، وتم طرح العديد من الفرص الاستثمارية للمستثمرين ورواد الأعمال في قطاعات متنوعة، وسجل إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر اكثر من 17 مليار ريال عماني بنهاية الربع الأول من العام الجاري فيما يعد انعكاسا للثقة المتزايدة في بيئة الأعمال في سلطنة عمان وإدراكا من المستثمرين لجدية التوجه الحكومي نحو تحقيق الاستقرار المالي وتقليص حجم الديون ودعم النمو المستدام عبر الشراكة مع القطاع الخاص، وتتزايد هذه الثقة مع الرفع المتوالي للتصنيف الائتماني لسلطنة عمان والذي تم من قبل جميع وكالات التصنيف العالمية وكان أحدثها وكالة فيتش الأسبوع الماضي وقد رصدت هذه الوكالات التقدم الكبير في جهود الاستقرار المالي ونجاح سلطنة عمان في إدارة محفظة القروض نحو خفض الدين العام وتقليص أعبائه المستقبلية.
ويعد أحد التحولات المهمة التي تشهدها سلطنة عمان نحو التنويع الاقتصادي هو استغلال قطاع النفط والغاز وتوسعة دور القطاع من مجرد مصدر للإيرادات إلى قطاع يتكامل مع بقية القطاعات والمشروعات الاستراتيجية لتعزيز النمو الاقتصادي مع زخم كبير في القطاع من مشروعات المصافي والبتروكيماويات والطاقة المتجددة، وخطط استراتيجية لتحويل سلطنة عُمان إلى مركز تجاري عالمي لأسواق النفط والطاقة المتجددة، وبعد افتتاح مجمع لوى للصناعات البلاستيكية كواحد من أكبر مشروعات الصناعات التحويلية، تستعد سلطنة عمان خلال الفترة المقبلة لافتتاح مصفاة أوكيو 8 في الدقم ويتزامن معها دخول مشروع استراتيجي آخر حيز العمل هو محطة تخزين النفط الخام في رأس مركز، كما يتقدم قطاع الطاقة المتجددة خطوات مهمة عبر مشروعات الهيدروجين الأخضر, وخلال العام الجاري وقعت الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة اتفاقية حق انتفاع بالأرض مع شركة الهيدروجين الأخضر والكيماويات، لتطوير المرحلة الأولى من مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر و الأمونيا الذي تعتزم الشركة تنفيذه بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم. وتمتد المرحلة الأولى من المشروع على مساحة تبلغ 12 كيلومترا مربعا في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وذلك بطاقة إجمالية تقدر بحوالي 100,000 طن متري من الأمونيا سنويا، ومن المتوقع أن تصل الطاقة الإنتاجية بعد اكتمال المشروع بأكمله إلى 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنويًا.
ويمهد مع مشروعات مماثلة لقيام المنطقة الاقتصادية الخاصة بدور رئيسي في مستقبل تحول الطاقة في سلطنة عُمان، الأمر الذي سيجعل من الدقم مركزا لمشروعات الهيدروجين الأخضر، حيث يؤدي استقطاب مثل هذه المشروعات والاستثمارات للدقم إلى نقلة في قطاع الطاقة النظيفة، بما يسهم بشكل كبير في تحقيق رؤية سلطنة عُمان في مجال الطاقة الخضراء ويضعها كمركز عالمي لتصدير الوقود الأخضر.
ومن قطاع النفط إلى الموارد الطبيعية الأخرى في سلطنة عمان، يمتد الاهتمام لاستغلال كافة الموارد الطبيعية والمقومات الطبيعية السياحية الفريدة التي تملكها سلطنة عمان في قطاعات التعدين والثروة السمكية والسياحة.
وفي قطاع التعدين، تعمل وزارة الطاقة والمعادن على تطوير قطاع المعادن وإدارته بشكل فاعل ومهني بما يتواءم مع التطلعات المعقودة عليه كأحد قطاعات التنويع الاقتصادي، واعتمدت الوزارة منهجية جديدة لتنمية قطاع المعادن، والتي تتمثل في أحد جوانبها في إنشاء مناطق امتياز تعديني بمساحات كبيرة أسوة بمناطق امتيازات النفط والغاز، حيث تعرض للشركات المحلية والعالمية المتخصصة في التنقيب واستخراج المعادن، وتمنح للاستثمار بموجب اتفاقيات امتياز تنقيبية وتعدينية، مع ربط هذه الاتفاقيات بإيجاد قيمة مضافة للخامات المعدنية الموجودة في سلطنة عمان، من خلال إقامة مشروعات صناعات تعدينية وتحويلية في الشق السفلي تسهم في إيجاد فرص وظيفية أكثر.
ووقعت وزارة الطاقة والمعادن وشركة تنمية معادن عمان ذراع الاستثمار الحكومي في قطاع التعدين التابع لجهاز الاستثمار العماني خلال هذا العام عددا من الاتفاقيات لتعزيز الاستثمار في برامج الاستكشاف والتنقيب عن المعادن الاستراتيجية لتكون حجر الأساس لصناعة تعدين عمانية متطورة وقادرة على جذب الشراكات الاستراتيجية.
وتهدف الوزارة من خلال تحديدها لمناطق امتياز في قطاع التعدين، التغلب على التحديات التي كانت تواجه آلية التراخيص من خلال المساهمة في إيجاد قاعدة بيانات متكاملة تشمل مسوحات جيولوجية وجيوفيزيائية واستكشافية تغطي معظم مناطق سلطنة عمان، وذلك لإيجاد رفد منتظم ومستدام للفرص التعدينية في سلطنة عمان حيث يمكن للمستثمر التنقيب عن كافة المعادن الموجودة في منطقة الامتياز، وتضمين الاتفاقيات ما تم الاتفاق عليه مع الجهات الحكومية الأخرى ذات الصلة من اشتراطات بيئية وغيرها بحيث يسهل للمستثمر الحصول على الموافقات من هذه الجهات للتحول من مرحلة التنقيب إلى مرحلة التعدين، وتوفير المساحة والكمية الكافية من الخامات الفلزية الأولية بحيث يمكن تجاريا الاستثمار في عمليات معالجة هذه المعادن لرفع نسبة التركيز ومن ثم رفع قيمتها السوقية، وستكون هذه الكميات من الاحتياطات التعدينية التي ستسهل إيجاد قيمة مضافة للخامات المعدنية الموجودة في سلطنة عمان، وتسهيل عمليات التمويل المالي من القطاع المصرفي للاستثمار في قطاع التعدين من خلال التوصل إلى اتفاقيات طويلة الأجل مع المستثمر، وتتركز الجهود على المعادن ذات القيمة الاقتصادية العالية (المعادن الفلزية) والمرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة، مع تحسين الأداء في إنتاج المعادن الصناعية (المعادن اللافلزية) من خلال جذب الشركات العالمية المتخصصة وتمكين قيام صناعات تعدينية وإيجاد وظائف متنوعة.
كما يشهد القطاع تطورا مهما مع توقيع اتفاقيات لبدء مسوحات تستهدف تنفيذ برنامج طموح للمسح الجيوفيزيائي الجوي، تتبعها عدد من الدراسات الجيوكيميائية وغيرها من الدراسات وذلك لتحديد وجود الخامات المعدنية فيها.
من جانب آخر، يثبت قطاع السياحة قدرته المتزايدة على جذب الاستثمارات الكبيرة، وقد تم توقيع عدد من اتفاقيات حق الانتفاع لمشروعات جديدة في عدد من المحافظات إضافة لمشروعات استراتيجية كبرى منها اتفاقية شراكة تطويرية للمرحلة الأولى من مشروع يتي السياحي المتكامل بقيمة استثمارية تبلغ قرابة مليار دولار أمريكي، وتنفذ المرحلة الأولى من المشروع على مساحة تصل إلى 900 ألف متر مربع، وتتضمن مشروع سياحي مُستدام متعدد الاستخدامات، ويعد مشروع يتي السياحي المتكامل أحد أبرز المشروعات السياحية التي يجري تطويرها في سلطنة عُمان حيث يمتد على مساحة تزيد على 11 كيلومترًا مربعًا، ومن المتوقع أن يكون للمشروع وغيره من المشروعات المماثلة دور بارز في تعزيز القيمة المحلية المُضافة حيث تمتد المنافع إلى المجتمع المحلي ليُسهم في التنمية الاجتماعية وتوفير فرص العمل.
وفي قطاع الصناعة، يجد القطاع دعما من التوسعات المستمرة وتطوير اجراءات الاستثمار في مختلف المدن الصناعية والفرص الاستثمارية التي يتوالى طرحها في القطاع عبر وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وكان أحدثها 22 فرصة صناعية بعقود الشراء المسبق, وقد سبقها تدشين فرص استثمارية بحجم 528 مليون ريال عماني، ويتزامن مع هذه الفرص جهود حثيثة لمزيد من تحسين بيئة الأعمال ودعم الصناعة الوطنية وزيادة حجم الصادرات غير النفطية وقد تضمن ذلك بدء تنفيذ برنامج وطني لجلب الاستثمارات وتعزيز تواجد المنتج المحلي في الأسواق العالمية وتدشين دليل المستوردين الذي يوفر قاعدة بيانات المستوردين العالميين في أكثر من 180 دولة حول العالم للتسهيل على المصدرين والمؤسسات والشركات التجارية العاملة في سلطنة عُمان، وتنمية الصادرات العُمانية وفتح أسواق جديدة لها.
وخلال الأيام الأخيرة تم إطلاق البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي «تنويع» كأحد ممكنات الخطة الخمسية العاشرة «ورؤية عُمان 2040 » ويخطط البرنامج لمبادرات التنويع ويعالج التحديات الاقتصادية لقطاعات التنويع الاقتصادي وهي الصناعات التحويلية والتعدين والنقل واللوجستيات والأمن الغذائي والسياحة في إطار تكاملي مع البرامج الوطنية الأخرى ومن المؤمل أن يسهم هذا البرنامج في تسريع تحقيق المستهدفات المحددة للتنويع الاقتصادي في الخطة العاشرة.
ويتضمن البرنامج عددًا من السياسات والإجراءات المقترحة لتسريع وتيرة التنويع الاقتصادي في سلطنة عُمان عبر الترابط بين مختلف القطاعات وتعزيز توسيع القاعدة الإنتاجية والتصديرية وتمكين القطاعات الاقتصادية للمساهمة في الإيرادات غير النفطية مع توجه نحو التركيز على مزيد من إتاحة الفرص وطرح الحوافز لتعزيز نمو كافة الأنشطة والقطاعات المستهدفة في خطط واستراتيجيات التنويع الاقتصادي.