أشرف أبو عريف
بخيوط من الحرير والذهب والفضة، تتم حياكة وتطريز ثوب الكعبة المشرفة كل عام، في اهتمامٍ قدير أولته حكومة المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله- الذي أمرَ بإنشاء دار خاصة لصناعة كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة.
وبدأت القصةُ في دار خاصة بمحلة أجياد أمام دار وزارة المالية العمومية بمكة المكرمة في عام (1346) هـ، لتكون كسوة الكعبة المشرفة أول حلة سعودية تصنع في مكة المكرمة، وتتجاوز تكلفتها السنوية حالياً (20) مليون ريالٍ سعودي، حيث يزن الثوب (850) كيلوجراما، مقسمة على (47) قطعة قماش بعرض (98)سم ، وارتفاع (14)، وتتم حياكتها بمجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الواقع بأم الجود في مكة المكرمة، ليكون جاهزاً ليوم تغييره الذي سيكون هذا العام في غرة محرم 1444هـ.
وواصلَ أبناءُ المؤسس الاهتمام من بعده في العناية بصناعة الكسوة وتطويرها، حيث تم الانتهاء من أول كسوة تصنع بالمصنع الجديد بعد عمل استمر ثلاثة أشهر وتحديداً في أغسطس 1962م، وكُتب عليها نص الإهداء التالي: “صُنعت هذه الكسوة في مكة المكرمة وأهداها إلى الكعبة المشرفة الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود تقبل الله منه سنة 1381هـ”.
وفي عام 1962م أمرَ الملك سعود بن عبد العزيز بتجهيز مصنع الكسوة المشرفة، وأسندَ هذه المهمة حينها إلى أخيه الملك فيصل، الذي كلَّفَ وزيرَ الحج والأوقاف حسين عرب فاختار مبنى تابعا لوزارة المالية في جرول، وتوالت هذه العناية في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز، ثم الملك خالد، والملك فهد (رحمهم الله)، حيث انتقل مصنع كسوة الكعبة سنة (1397)هـ إلى مبناه الجديد بأم الجود وجُهّز بأحدث المكائن المتطورة في الصناعة وظلت حتى الآن تصنع في أبهى صورها.
وصدرت موافقة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – على تحديث وتغيير الأنظمة الإلكترونية والأجهزة الكهربائية والمعدات الميكانيكية بمصنع كسوة الكعبة المشرفة بما يوافق الأنظمة المستحدثة، وتعدُ هذه الخطوةُ نقلةً تطويريةً متقدمةً في مجال صناعة رداء الكعبة المشرفة.
وتكريماً للملك المؤسس، صَدَرَتْ موافقةُ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ الملكِ سلمانَ بنِ عبدِ العزيزِ آل سعود – حفظه الله – يوم الثلاثاء 13 شعبان 1439 هـ بتغير مسمى مصنع كسوة الكعبة المشرفة إلى مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة.
وقد منَّ اللهُ على المملكة العربية السعودية باستدامة هذه الصناعة وتطويرها وإدخال كل السبل التقنية الحديثة التي أسهمت في تمكين المجمع من إنتاج الثوب، ومن أهم ما تم استحداثه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملكِ سلمانَ بنِ عبدِالعزيز آل سعود -حفظه الله- توفير ماكينة “تاجيما”، وماكينة الجاكارد، التي تقوم بصناعة ثوب الكعبة المشرفة المنقوش بالتسبيحات والقناديل المذهبة والكلمات وهي: “يا الله، وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، وياديّان، ويامنّان، ولا إله إلا الله محمد رسول الله”، وتتم هذه العملية بواسطة الفريق الفني المختص من الأيدي الوطنية المدربة المؤهلة على هذه الماكينة التي تحتوي على أكثر من 9 آلاف وتر من الحرير، والثوب تستغرق صناعته من 6 إلى 8 أشهر، ويعمل في صناعته أكثر من (200) صانع على مدار السنة.
وتطرز كسوة الكعبة بخيوط من الذهب والفضة، حيث يصل عدد قطع المذهبات إلى (54) قطعة على الكعبة، في قسم متخصص باسم “تطريز المذهبات” بالمجمع، وذلك باستخدام (120) كيلو جرام من المذهبات، و(100) كيلو جرام من الفضة المطلية بماء الذهب، و (760) كيلو جرام من الحرير.
وتمرُّ مراحلُ كسوة الكعبة المشرفة بمجموعة من الأقسام الفنية والتشغيلية، وتبدأ بمرحلة الصباغة وهي أولى مراحل إنتاج الكسوة بالمصنع حيث يزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحرير الطبيعي الخالص في العالم، ثم النسيج الآلي الذي يحتوي على العبارات والآيات القرآنية والمنسوخة، ثم قسم المختبر الذي يقوم بإجراء الاختبارات المتنوعة للخيوط الحريرية والقطنية؛ من أجل التأكد من مطابقتها المواصفات القياسية المطلوبة من حيث قوة شد الخيوط الحريرية ومقاومتها لعوامل التعرية، إضافةً إلى عمل بعض الأبحاث والتجارب اللازمة لذلك، يأتي بعدها مرحلة الطباعة التي يتكون منها قسم الحزام والتطريز وقسم خياطة الكسوة، ثم وحدة العناية بكسوة الكعبة المشرفة.
وعند الانتهاء من جميع مراحل الإنتاج والتصنيع، وفي منتصف شهر ذي القعدة، يقامُ حفلٌ سنوي في مصنع كسوة الكعبة المشرفة وتسلَّمُ الكسوة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام، الذي بدوره يقوم بتسليمها إلى الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام المسجد النبوي، أما هذا العام فقد صدر أمر ملكي بتسليم كسوة الكعبة في العاشر من شهر ذي الحجة.
وتأتي آخر قطعة يتم تركيبها وهي “ستارة باب الكعبة المشرفة” التي تعدُّ من أصعب مراحل عملية تغيير الكسوة، وبعد الانتهاء منها يرفع ثوب الكعبة المبطن بقطع متينة من القماش الأبيض، وبارتفاع نحو ثلاثة أمتار من شاذروان (القاعدة الرخامية للكعبة) المعروفة بعملية “إحرام الكعبة” ويرفع ثوب الكعبة.
ويعدُّ المجمع من أكبر مجمعات تصنيع الحرير وتطريزه ونحته، ابتداءً من تصنيع الخيوط الحريرية وحياكتها وطباعة الرموز على القماش الحريري، ويدخلُ بعدها إلى قسم التطريز بالمذهبات ثم يحوّل لقسم التجميع ثم الحشو للحروف بالقطن لإعطاء البروز والجمال للحرف في أثناء التطريز، ثم بعد ذلك يقومون بعملية التطريز التي تكون بالأسلاك الفضية المطلية بماء الذهب والأسلاك الفضية المخالصة، ثم يكون الثوب جاهزاً للاستبدال.