بقلم: أحمد طه الغندور
في مقالي السابق؛ الصادر في فبراير الماضي وبعنوان: بوتين وقراءة جديدة لجحيم دانتي. أشارت إلى أن “الأزمة الأوكرانية””؛ ” ليست “سحابة صيف” ماضية، بل هي عهد من “الفوضى العالمية” ستعمل على تغيير موازين القوى الدولية، كما ستعيد رسم الخرائط الجيوسياسية العالمية”، وأكدت أنه “على الدول العربية أن تُسارع إلى دراسة “الأزمة” وعدم الاقتراب منها بأي شكل من الأشكال قد يشير بأنها تصطف مع أي طرف من أطراف النزاع، وأن تعمل من أجل ترسيخ الأمن السلم الدوليين”.
كما دعوت إلى أنه “من الأهمية بمكان من الانتباه بجدية أكبر إلى تمتين الأمن القومي العربي لصيانة الحدود، والموارد العربية، والعمل بجدية على إزالة الخلافات الداخلية، وصياغة تفاهمات وقيم جديدة للعمل العربي المشترك من خلال جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وعدم الانسياق مع الأوهام الصهيونية!”.
وقُبيل سويعات قليلة؛ أشار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “طوني بلير”، إلى أن العالم مقبل على تغيرات جيوسياسية دولية، لافتاً إلى أن عصر الهيمنة الغربية يقترب من نهايته ويسير نحو التعددية القطبية”، وأقترح بأن “التغيرات الجيوسياسية في ستثيرها الصين وليس روسيا”!
وجاء هذا التحذير في معرض خطاب ألقاه “بلير” في منتدى لدعم التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا في “ديتشلي بارك” غرب لندن في محاضرة حملت عنوان “بعد أوكرانيا، ما الدروس الحالية للقيادة الغربية؟”
هذا الاستنتاج وصل الدول العربية قبل تصريح “بلير”، والذي بدأت تستوعبه الإدارة الأمريكية جزئياً، وبكثيرٍ من المكابرة، فجأت “حملة بايدن” للعلاقات العامة للشرق وخاصة المملكة العربية السعودية!
لماذا؟
لأن “السعودية”ـ وبعضاً من الدول العربية ـ بمزيد من الوعي السياسي، زادت من الانفتاح على الدول الشرقية، وبخاصة الصين، وروسيا بالعديد من التعاملات الاقتصادية والأمنية التي جاءت بالعملات المحلية “اليوان” و “الروبل” مما بعث مخاوف حقيقية لدى إدارة “بايدن” من هزة لمكانة الدولار!
كما أن “السعودية” والعديد من دول الخليج؛ اتخذت جانب احترام القانون الدولي في “الأزمة الأوكرانية” ونأت عن نفسها التورط فيها، بعيداً عن الرغبات الأمريكية والأوروبية في فرض العقوبات على روسيا!
السعودية، ومجموعة الدول المصدرة للنفط “أوبك” عملت وفقاً للمعايير الإنسانية في إطار الأزمة العالمية للطاقة، وعملت بما يؤدي إلى التخفيف منها، دون الإضرار بمصالحها الوطنية، وبعيداً عن أي مهاترات سياسية خارجية!
السعودية تدرك تماماً مخاطر وجود السلاح النووي في منطقة الخليج العربي، ولديها القدرة الكاملة وشركائها من خلال الأطر الدولية، والإقليمية لتلافيها دون الحاجة إلى الدخول في أي “حلف عدائي” لا يجلب خير للمنطقة!
هذه القراءات وغيرها، والعديد من العوامل الداخلية الأمريكية، دفعت الرئيس الأمريكي “بايدن” إلى الشروع في حملة من العلاقات العامة في المنطقة، والمستهدف فيها؛ المملكة العربية السعودية!
لكن لماذا القول “حملة علاقات عامة” وليس خطوات دبلوماسية؟!
ببساطة ودون أي تردد؛ لأن هذه الإدارة أعلنت انسحابها من المنطقة، وعملت على ذلك في أكثر من مكان بعد سحب “الموارد الطبيعية والاقتصادية منها، التورط في “أوكرانيا”، الوضع الداخلي الأمريكي، شعبية الرئيس “بايدن”، وانخفاض الثقة الدولية بالإدارة الأمريكية عموماً من قِبل العديد من الجهات الدولية، وارتكاب الإدارة العديد من الأخطاء!
لذلك كانت حملة “بايدن” إلى المنطقة كـ “حملة” علاقات عامة لتعديل صورته الشخصية، وتقديم الاعتذار عن أخطائه، وتبرير عجزه عن تقديم الحلول المناسبة لقضايا المنطقة، وبيع الوهم بأن “الكيان الصهيوني” عنصر طبيعي في المنطقة!
فهل نجح في حملته؟!
أم أن جدة؛ بـ “صفعتها” كانت البشرة بقرب “نهاية عالم القطب الواحد” وأن “الأمة العربية” دائماً قادرة على التغيير!