رأى

رحلتي إلى مكة المكرمة.. إبداع أدبي جديد للأطفال جدير بالتشجيع والتنويه 

استمع الي المقالة

الرباط – المحجوب بنسعيد

      في هذه الأيام المباركة حيث يستعد المسلمون في كل بقاع العالم للاحتفال بعيد الأضحى المبارك ويشد الرحال ملايين المسلمين المؤمنين من كل فج عميق نحو الديار المقدسة في بلاد الحرمين لأداء مناسك الحج ، اطلعت على كتاب موجه للأطفال يحمل عنوان ( رحلتي إلى مكة المكرمة) ألفته الكاتبة السعودية هلا المالك وصدر ضمن منشورات مؤسسة ” الرحالة الصغار”.

       يتكون الكتاب من 10 صفحات من الحجم المتوسط مصنوعة من الورق المقوى المتين، ويتضمن رسوما جميلة بالألوان بعضها متحرك وبعضها الآخر ساكن. وأرفقت مؤلفة الكتاب بهذه الصور نصوصا قصيرة باللغة العربية ، تقدم للطفل معلومات مختصرة ومفيدة عن أبرز معالم مدينة مكة المكرمة ، ومنها الكعبة المشرفة وصحنها وكسوتها ومنازلها وساعتها الشهيرة ، ومكان السعي بين الصفا والمروة، وبئر زمزم.

    والكتاب موجه للأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين سنة وعشر سنوات ، يقدم لهم قصة تفاعلية بشكل جذاب يثير انتباهم ويحفزهم على اكتشاف مكوناته وتحريك صوره وقراءة نصوصه . وكان من بين أهداف الكتاب تعزيز الهوية الدينية لأطفالنا وتقوية انتمائهم الثقافي والاجتماعي بأسلوب متطور يجمع بين الصورة والكلمة ويشبع الفضول العلمي والابداعي لدى الأطفال في انسجام تام مع اهتماماتهم الحالية بتكنولوجيا الاتصال الحديثة وشغفهم الكبير باستعمالاتها المتنوعة . وهكذا نقرأ في الصفحة الأخيرة من الكتاب تعريفا مركزا للرحلة يقول إنها ” رحلة للصغار والكبار إلى أطهر بقاع الأرض ، بها صفحات متحركة ورسومات مشوقة ، نطوف حول الكعبة المشرفة ونخيط كسوتها ، ونرتوي بماء زمزم ونتعرف على منابعها ، ونزور جبالها ، ونكتشف عجائب سمائها … مشروع الرحالة الصغار بداية لاستكشاف أروع جوانب الحياة التي حولنا “

    يكتسي كتاب ( رحلتي إلى مكة المكرمة ) أهمية بالغة باعتباره يسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف التربوية والنفسية ذات الصلة بتحفيز الأطفال على ممارسة القراءة في زمن الانتشار الواسع لتكنولوجيا الإعلام والاتصال، والعزوف المخيف عن قراءة الكتب والقصص والمجلات والمطبوعات المكتوبة بصفة عامة في العالم العربي والإسلامي. إن إصدار هذا الكتاب يعزز في نظري التوجه التربوي الجديد لأدب الطفل الهادف إلى الانتقال بهذا النمط من الابداع من مستواه التقليدي الذي ظل سائدا في قصص الأطفال التقليدية التي أبدعها الجيل الأول من رواد أدب الأطفال منذ الأديب كامل كيلاني ، ثم لاحقا أفلام الكارطون والرسوم المتحركة في القنوات التلفزية ، إلى مستوى جديد يناسب العصر الرقمي وعصر الصورة ، ومرحلة الثقافة الرقمية ، حيث أصبحت فئات الأطفال تمتلك مهارات متقدمة في استعمال تقنيات الاتصال الحديثة وفي تفضيل الإبداعات الفنية والأدبية والثقافية التي تم إعدادها وفق معايير جديدة تفاعلية تجمع بين الصورة والكلمة والرموز والرسوم في الوقت نفسه .

     لقد فرض هذا التحول على من يكتبون للأطفال مراعاة هذه التغيرات والميول الجديدة لأطفال اليوم ، خاصة وأن الكتابة للأطفال ليست بالأمر الهين ، وليست مجرد كتابة تتيح للكاتب التعبير عن أفكاره ومواقفه ، بل هي كتابة تربوية تهدف توجيه الأطفال نحو قيم معينة ، والمساهمة في تنشئتهم بما يخدم نموهم النفسي والانفعالي ويسهم في تأهليهم للمشاركة في تحقيق التنمية المستدامة لمجتمعاتهم .

      ومنذ مطلع الألفية الثالثة ، لوحظ إقبال متزايد للأطفال والشباب على القصص والروايات التفاعلية والألعاب الألكترونية والتي تتناول قضايا اجتماعية معاصرة من خلال استخدام الوسائط الجديدة بتقنياتها المبدعة والمشوقة للصغار والكبار على حد سواء . ولعل من أسباب ذلك الانتشار الواسع للصور والأخبار عن الأحداث الدولية حين وقوعها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ، ومن خلال المنصات التقليدية للإعلام وفي مقدمتها الفضائيات التلفزية .

     لقد ضاعفت هذه المعطيات الجديدة من صعوبة الكتابة للأطفال بما يتوافق مع اهتماماتهم وميولاتهم البصرية والفنية الحديثة. يضاف إلى ذلك تقديم محتويات تسهم في حماية الأطفال من مخاطرالاستعمال المفرط لشبكات التواصل الاجتماعي مثل ارتكاب الجرائم الإلكترونية والوقوع بين مخالب المواقع الاباحية ومواقع التنظيمات الإرهابية الداعية إلى الجهاد والتطرف والعنف. لذلك فإنّ الكتابة للأطفال أصبحت تقتضي، بشكل متزايد، معرفة عميقة بالقوة الكامنة في الأدوات المعلومياتية المترابطة والمتفاعلة فيما بينها لفهم أوجه استخدامها ، كما تتطلب الأخذ بعين الاعتبار، تقديم محتوى يساهم في تربية الأطفال من خلال الاستئناس بنتائج الدراسات العلمية ذات الصلة بالإعلام التربوي وبأحدث الطرق وأنجعها في توظيف تقانات المعلومات والاتصال كوسائل بيداغوجية مساعدة في تحقيق أهداف العملية التعليمية . ومن هذا المنطلق أعتقد أنه من الضروري تعزيز انفتاح الأنظمة التربوية والتعليمية في العالم العربي والإسلامي على الإبداعات الأدبية الموجهة للأطفال التي توظف تقنيات الاتصال الحديثة التفاعلية والمؤثرة في شكلها ومضومنها .

     ومما لاشك فيه أن الكاتبة هلا المالك من خلال ومشروعها ) الرحالة الصغار) استطاعت أن تكسب هذا الرهان وتبصم على حضور متميز وواعد بالمزيد من العطاء والابداع ضمن الجيل الجديد من رواد أدب الأطفال في العالم العربي والإسلامي الذين يستحقون الدعم والتشجيع من وزارات التربية والثقافة والمنظمات والمؤسسات الحكومية والأهلية المعنية بالأطفال بشكل عام . لقد أحسنت الإيسيسكو فعلا حين أدرجت فقرة تقديم ومناقشة كتاب ( رحلتي مع مكة المكرمة ) ضمن برنامج أنشطة جناحها المتميز خلال فعاليات الدورة 27 للمعرض الدولي للكتاب والنشر التي نظمت بمدينة الرباط خلال الفترة من 2 إلى 12 يونيو 2022 .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى