أشرف أبو عريف
ارتفعت أسعار الغلال والحبوب في الأسواق العالمية إلى أعلى معدلاتها بنسبة تصل إلى ١٦٠ بالمائة مقارنة بالأسعار قبل اندلاع الأزمة. وكل المؤشرات تشير إلى تفاقم حجم التحديات المقبلة. إنه العدوان الروسي على أوكرانيا الذي يعرض إمدادات الحبوب إلى دول العالم للخطر.
جدير بالذكر أن مفتاح حل الأزمة القائمة بسيط للغاية: أن توقف روسيا حربها الغاشمة على أوكرانيا، وان تسحب قواتها فوراً من أوكرانيا.
إن السبب في أزمة الحبوب يتضح بجلاء في كل حقل قمح دمرته القنابل الروسية وفي كل فلاح قتل وفي كل سفينة أوكرانية احتجزتها القوات الروسية في موانئ البحر الأسود. ومن المتوقع بفعل العدوان الروسي انخفاض محصول هذا الموسم في أوكرانيا بنسبة ٥٠٪ ، وربما لن يكون في مقدور الفلاحين الأوكرانيين زراعة القمح في الموسم الشتوي. فضلا عن ذلك فقد تم منع تصدير عشرين مليون طنا من الحبوب والغلال من أوكرانيا إلى مختلف الدول حول العالم من بينها مصر. ومما يزيد الطين بله أن هناك تقارير موثوقة تشير إلى أن جيوش بوتين ربما تقوم بنقل القمح من أوكرانيا، والذي كان مخصصا لدول هي في أمس الحاجة إليه، إلى مناطق تخضع للسيطرة الروسية.
كما أن روسيا نفسها قررت وقف صادراتها من عدة أنواع من الحبوب بسبب الحرب، أو أنها تطعم “للأمم الصديقة” فقط، مما يفاقم من خطورة الموقف. يتضح من ذلك أيضا أن الرئيس بوتين على وعى تام بأن عدوانه يهدد العالم بحدوث مجاعة. إن قرار استخدام سلاح الغذاء هو قرار موسكو وموسكو وحدها.
وبغض النظر عما يقوله مسئولون روس بشأن التعاون مع مصر، فإنهم لن يستطيعوا تفسير المصاعب التي أحدثها هذا العدوان في مصر، ولن تستطيع روسيا أن تصرف الأنظار عن التبعات المالية التي أحدثتها حرب بوتين وتهديدها للرخاء وأرزاق المصريين.
ربما تعلن روسيا عن إرسال سفينة أو سفينتين محملتين بالحبوب ومخصصتين لمصر، إلا أن ذلك يوضح بجلاء أن بوتين كان قد أوقف هذه الصادرات بادئ ذي بدء. إن التهديد المبطن وراء ذلك هو تقديم الدعم للدول “الصديقة” ومعاقبة من ينتقد حربه العدوانية. إن الأمن الغذائي والأغذية هي ملك للجميع ولا يتعين استخدام الجوع كسلاح ضد الدول الأكثر تضررا ومنها دول القارة الأفريقية.
تلقي روسيا باللوم على العقوبات التي فرضتها دول مجموعة السبع الصناعية وغيرها وتحملها مسؤولية اندلاع أزمة الطعام الوشيكة، وهذا محض افتراء، إذ أن عقوباتنا تستهدف أولئك الذين تحملوا مسؤولية اندلاع الحرب، وتستثني هذه العقوبات إمدادات الطعام والمنتجات الزراعية وغيرها من الاحتياجات الإنسانية والطبية، فهي ليست سوى وسيلة لإيقاف آلة الحرب الروسية التي تتسبب في أزمة الغذاء الشاملة.
بعض الدول الأوروبية المجاورة مثل رومانيا وبولندا تحاول النجاة من تلك الأزمة عن طريق نقل الحبوب برا، كما فعلت الأسبوع الماضي بالنسبة لشحنة من القمح كانت مخصصة لمصر، ولكن ذلك يحدث بقدرات منخفضة للغاية وبتكلفة عالية، وهذا حل مؤقت ليس إلا. في حقيقة الأمر أن السفن الحربية الروسية تسد الموانئ الأوكرانية حيث تنتظر ملايين الأطنان من القمح فتح الطريق.
إن دول مجموعة السبع الصناعية متمسكة بالتزامها لدعم مصر في هذه الأزمة الناجمة عن الحرب الروسية. نحن نكثف من تعاوننا مع مصر لمواجهة هذه الأزمة من خلال زيادة حجم الدعم المقدم لأنشطة برنامج الغذاء العالمي في مصر، وفي أطر إقليمية مثل الاتحاد الشامل للأمن الغذائي (GAFS) أو من خلال مبادرة المرونة الزراعية والغذائية (FARM) أو من خلال دعم الحكومة المصرية بمساعدات ثنائية مثل المساعدات الغذائية المقدمة من الاتحاد الاوروبي وفي أطر وطنية. روسيا فشلت في تقديم هذا الدعم.
نحن نتشاور عن كثب مع مصر ومع الشركاء في المنطقة بشأن هذه الأزمة، على سبيل المثال في إطار منتدى المتوسط للحوار بشأن أزمة الأمن الغذائي الذي انعقد في روما الأسبوع الماضي في يوم١٨ مايو، على مستوى الوزراء بالأمم المتحدة ، وقيام رئيس المفوضية الأوروبية السيدة “فون دير لاين” بزيارة إلى مصر أو في إطار المؤتمر القادم في برلين بشأن توحيد الجهود من أجل ضمان الأمن الغذائي الشامل، لقد فشلت روسيا في تقديم مثل هذا الدعم.
وبما أن الحكومة المصرية منخرطة في تأمين شحنات من القمح وغيره من السلع الغذائية الأخرى، فإن مجموعة الدول السبع الصناعية تعمل جاهدة للحفاظ على فتح أسواق السلع الزراعية عالميا. ونحن ندعم أوكرانيا في سعيها لإنتاج وتصدير السلع الغذائية لخفض حدة الأزمة، وهكذا نقف أيضا بجانب الناس في مصر.
إن تجاوز هذه الأزمة رهن بممارسة كل تأثير ممكن على روسيا، والرئيس بوتين ليس في حاجة إلا إلى إنهاء تلك الحرب العدوانية والدمار وفك الحصار.