ثنائية الضعف العربى!
بقلم: عبدالمنعم مبروك
ظلت الأنظمة العربية المتسلطة عقودًا من الزمن تُنَكِّل بشعوبها خاصة الشباب المحتج الغاضب والباحث عن العمل والحرية والساخط على حكومات تلك الدول بسبب البطالة وشيوع الفساد بين أروقة الحكم المستبد فى تلك الدول العربية منذ رحيل الاستعمار، وبزوغ حركات التحرر والاستقلال فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
لقد ساعد فى ترسيخ الفوضى أن الفساد قد ازداد حجمه وتفشى فى أجهزة الدول المستبدة حتى أصبحت قيم العدالة والأخلاق والعمل من أجل الحياة الكريمة والمستقبل الأفضل استثناءً ..! وحل الإحباط واليأس لدى الشباب محل الأمل فى المستقبل.
ومع ظهور التيارات الإسلامية تحت عباءة جماعة الإخوان التى أسسها حسن البنا سنة 1928 برعاية بريطانية لضرب أشلاء الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى .. بدأ الشباب المتعلم الساخط يفقد كل أمل فى حياة إنسانية كريمة؛ لأن فساد الحكومات والنخبة السياسية الحاكمة فى ظل الحكم الملكى قبل ثورة يوليو 1952 كان سائدًا فتوجه الشباب إلى الانخراط فى الجماعة تحت دعاوى الإصلاح من خلال الدعوة؛ لأن الإسلام هو دين ضد الفساد، كما أن الفساد هو الذى أطاح بمثاليات وأخلاقيات الشباب التى تربى عليها بعد ثورة 1952، وبدأ التيار الإسلامى الإخوانى فى ممارسة الدعوة والمشاركة الاجتماعية فى مواجهة المشاكل عند أطراف المدن والعشوائيات والقرى النائية مستفيدًا من فساد الحكومات حتى شبَّتْ فى أحضانه أو تربَّتْ خلايا التشدد القطبى المؤمن بأستاذية الإسلام للعالم وتكفير الآخر فى الغرب والشرق على السواء، وهو ما أدى فى النهاية إلى تفجير المجتمعات العربية والإسلامية وتدميرها برعاية أجنبية وغربية دخلت على الخط إلى المنطقة تحت دعاوى الديمقراطية والحرية وحماية حقوق الإنسان ..!
بدأ الغرب منذ تسعينيات القرن العشرين – بعد انهيار الشيوعية كعدو – يضع الاستراتيجيات لمواجهة الخطر الأكبر من وجهة نظره وهو الإسلام، وظهر فى الغرب ما يسمى “الإسلاموفوبيا”، أى الخوف من الإسلام والتى أسماها الإعلام الغربى “الخطر الأخضر” … وانخرط الغرب بمساعدة ثروات العرب الضعفاء فى ضرب وتدمير الدول العربية، فكان التدخل عسكريًا تحت شعار “الحرب على الإرهاب” ضد القاعدة وطالبان فى أفغانستان فى عام 2001، ثم حرب تدمير العراق واحتلالها من الولايات المتحدة وبريطانيا فى عام 2003 تحت دعاوى مشابهة، وانتهت العراق كدولة مع دول عربية أخرى تحت عنوان “الاستراتيجية الأمريكية” لهدم المنطقة تحت شعار ما يسمى آنذاك “الفوضى الخلاقة” وإعادة رسم خريطتها من جديد ..! باستغلال جماعات الإسلام السياسى لمحاصرة الحكام العرب والنظم الحاكمة مستغلين سخط الشعوب ضدهم وخاصة الشباب، وبذلك شاعت الفوضى وحل الاضطراب الاجتماعى والسياسى والاقتصادى والأمنى محل الاستقرار، وفشلت الانتفاضات التى قامت تحت عنوان “الربيع العربى” كما أسماها الإعلام الغربى، وانهارت المنظومة العربية التى كانت ترفع شعار القومية، وظهرت الجماعات المتطرفة باسم الدين بقيادة تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، وهى كلها تنظيمات “مصنوعة” مخابراتيًا وغربيًا لضرب الأمن القومى العربى فى مقتل باستخدام وسائل التواصل الاجتماعى والتى أميل تسميتها بوسائل التدمير الاجتماعى؛ لما سببته من تدمير للقيم والأخلاق وهو ما أدى فى النهاية إلى تفشى ما يسمى “صناعة الكراهية” فى الشارع العربى وبين الأشقاء عبر الفضائيات العربية والإنترنت ووسائل التواصل المحكومة عن بعد من واشنطن وتل أبيب.
وهكذا فإن ثنائية الفساد والإرهاب هى ثنائية التدمير الذى حل بالأمة وأدى إلى ضعفها بفعل أهلها ودعم أجنبى .. الأمر الذى يحتاج منا فى مصر، والدول العربية الباقية على قيد الحياة – والتى أفلتت من مخطط التفتيت إلى أن نكون على قلب رجل واحد من خلال استعادة الوعى وإصلاح التعليم والإعلام والصحة والتمسك بالعلم خاصة أن الشباب هم ثروة النهضة المصرية والعربية فى المستقبل الذى يجب أن يُعِيد الروح إلى أمته العربية.
ونظن فى النهاية أن مصر الجديدة بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013 قد بدأت على الطريق الصحيح نحو تحقيق أهداف التنمية الشاملة والحفاظ على الأمن القومى المصرى من المساس به من أى قوة كانت فى العالم، كما أن الاهتمام بتطوير التعليم والنهوض بالمنظومة الصحية فى مصر وحركة التعمير الظاهرة للجميع فى الداخل والخارج تؤكد أن مصر الجديدة بشعبها الواعى وقيادتها الرشيدة ستصل إلى بر الأمان لتكون دولة قوية على كافة المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية، وستعود مصر إلى ريادة المنطقة من جديد كما كانت دائمًا.