شاهد.. أبو عوف وتحليل للدراما المصرية في ” بيت القصيد “
إبراهيم عبدالجواد
قد يتفق الغالبية على قدرة الدراما التلفزيونية في التأثير على بعض الناس – وإن اختلفت نسبة التأثير . البعض يرى أنها قادرة على التأثير بنسبة كبيرة وتملك قدرة على التغيير في طبيعة حياة أفراد المجتمع، في حين يرى البعض الآخر أن المتلقي هو الملهم في ما يجب على الدراما أن تتناوله. بينما الواقع يقول أن لا شيئاً يُغير المجتمع إلا المجتمع نفسه.. لكن الأهم من ذلك كله هو ما مدى تأثير مضامين الدراما التلفزيونية على الطفل والمراهق.. وما هي انعكاسات متابعتهم للدراما التلفزيونية على سلوكياتهم وقيمهم الاجتماعية.
تعد الدراما التليفزيونية قوة ثقافية مؤثرة فى المجتمع لا يستهان بها وذلك بسبب انتشارها الواسع وقدرتها على الابهار واستيلاءها على أوقات المشاهدين، فالرسالة الدرامية لها قدرة كبيرة على تخطى الحواجز وصوالا الى الجماهير حيث تنفذ الرسالة الدرامية إلى جماهيرها وتؤثر فيهم بإسلوب غير مباشر.
أن الهدف الأول من الدراما من تقديم أي عمل هو الإضاءة على بعض مشكلات وآفات المجتمع ونقل رسالة مباشرة أو غير مباشرة للمشاهدين ليأخذوا العبرة منها وينقلوها إلى الأجيال القادمة بالإضافة إلى التثقيف والإرشاد والوعي والتنمية بكافة أشكالها الثقافية والاجتماعية والسياسية، والاقتصادية والأخلاقية والدينية والفكرية والمساهمة في تحقيق التعليم والتربية.
أن الدراما التلفزيونية تؤثرعلى سلوكيات أفراد المجتمع من بلطجة وعنف وشغب وانتشار المخدرات والتحرش، علاوة على انهيار وتفكك الأسرة من ارتفاع نسب الطلاق وانتشار أفكار الخيانة الزوجية، بالإضافة إلى ما تروج له من قيم وسلوكيات دخيلة على المجتمع.
وكذلك تؤثر الدراما في الأطفال الذين يميلون إلى التقليد، خاصة عندما يكون البطل محبوبًا.
أن المجتمع هو مصدر ومنبع لما تقدمه الدراما، فهو مصدر الإلهام لها، باعتبار المجتمع هو الأسبق لذلك، ويؤثر بالطبع في الأعمال الفنية، سواء السينمائية أو الدرامية،» أن تنقل الأعمال الدرامية الواقع كما هو بما يحمله من تدنٍّ في الألفاظ والسلوكيات، فالتعبير عن هذه الأمور لا بد أن يكون في إطار محدد.
اختلاف تأثير الأعمال الدرامية يختلف باختلاف المستوى الثقافي والتعليمي للمشاهد، فهناك فئات ذات مستوى محدود ثقافياً وتعليمياً، تتأثر سلباً بمشاهدة مشاهد عنف أو ألفاظ وسلوكيات متدنية، وهناك فئات أخرى تدرك أن كل هذا تمثيل في تمثيل، وهناك متلقٍّ قد يمتنع عن متابعة مثل هذه الأعمال.
الدراما أحد أقوى الأسلحة في تربية النشء، وتقويم سلوك المجتمعات، هكذا رداً على سؤال حول تأثير الدراما والأعمال الفنية التي تتناول جوانب مضيئة وقيماً رفيعة، مقابل الأعمال التي تعظم من البلطجة وتجارة المخدرات وأن للدراما تأثيراً كبيراً، خاصة إذا كان الممثل الذي يؤدي دور البطولة محبوباً وصاحب شعبية، حينها سيتفاعل معه الجمهور، مثل تجسيد شخصية الشاب الذي فقد حياته لأنه تدخل لحماية فتاة كانت تتعرض للمضايقات في الشارع.
إن الدراما والأعمال الفنية عموماً، سلاح مهم في مواجهة التحلل الاجتماعي والظواهر السلبية، ورافد مهم من روافد التربية على القيم والأخلاق الحميدة.
تعد المسلسلات من أهم أشكال الدراما التلفزيونية، ويكمن تأثيرها في أنها تخلق جسرا من الترابط العاطفي بين الأبطال والمشاهدين، إذ يتحول أبطال المسلسل إلى رفقاء روحيين يأخذون حصة لا بأس بها من تفكير الناس وعواطفهم ويحتلون مكانا في مناقشاتهم، لذا كان الأديب ا “تمثیلیات التلفزيون تجذب بعض الناس لیس لحبھم للدراما، ولكن لأنھا تتیح لھم نوعًا بارعًا من التلصص على أحوال وبیوت الآخرين.
” رحلة السيد أبو العلا البشرى ”
” رحلة السيد أبو العلا البشرى ” كعمل درامى صنع من أجل البقاء ويزداد وهجاً كلما تم عرضه، فنحن أمام عمل درامى وصل الى أقصى درجات الإبداع الفنى من حيث الكتابة لمبدع الدراما التليفزيونية ” أسامة أنور عكاشة ” والإخراج الممتع من جانب ” محمد فاضل ” الذى نجح فى التعبير بالصورة عن كافة جوانب أفكار العمل الدرامية.
وتعود أهمية المسلسل فى تاريخ الدراما المصرية لمدى التأثير الذى إستطاع أن يحدثه فى وجدان أجيال من المصريين ، فلقد بقيت شخصية أبو العلا البشرى رمزاً محورياً داخل كل منزل لتعبر عن الأصالة والأخلاق والقيم، ويرجع ذلك الى قدرة المؤلف وموهبته فى طرح الخيوط الدرامية المنسوجة من الحياة والواقع المصرى والمغلفة بفكره ووعيه ليصل بمضمونه الخاص الى العام المتلقى ، والنجاح هنا يكون أكبر لأننا أمام التليفزيون الذى يتنوع جمهوره نتيجة إختلاف البناء الإجتماعى والثقافى للمتلقى فى ذلك الوقت 1985 وحتى الأن ، ولكن الجميع إتفق على أهمية وجود شخصية أبو العلا البشرى داخل المجتمع ككل وداخل كل عائلة بشكل خاص، فقد حقق العمل مغزاه الدرامى بإتحاد نسبة معقولة من المشاهدين على المستوى الخاص لهم وإستعدادهم التام للكفاح مع السيد ابو العلا فى حربة ضد طواحين الهواء الفاسد داخل المجتمع.
ويرجع دوى هذا الأثر الى العمل بشكل عام والحلقة الأخيرة، شديدة الدقة فى وصف الحالة وإبرازها لنرى مدى التغير الذى أحدثه هذا الرجل فى كل من حوله من خلال رحلته التى وقف فيها أمام إنهيار المجتمع ككل والأسرة بشكل خاص من الناحية الأخلاقية ، ومفهوم الأسرة هو أحد أهم الركائز داخل المجتمع المصرى فى الثمانينات قبل إقتحام الألفية الجديدة وبداية إنهيار هذا المفهوم نتيجة التدنى الأخلاقى الراجع الى إختلال المجتمع فى التعامل مع أهله بصورة مرتبة تصاعدية بدلاً من الإسراع فى تغيرات إجتماعية وإقتصادية وسياسية ثبت أنها لم تكن فى صالح المجتمع وإنما لصالح فئة أرادت مصلحتها الشخصية ومنفعتها الخاصة على حساب الباقين.
ويتأكد تميز العمل خاصة فى الحلقة الأخيرة بوضع المؤلف مشهدين غاية فى العبقرية فهو يقدم لنا الأثر المباشر لرحلة هذا الرجل وسط هذه النماذج البشرية التى قام معظمها برفضه فى بداية الرحلة ، فهو يوضح لنا سببها المباشر ولماذا إنتهت بتلك الكيفية ، ففى المشهد الأول نعرف كيف أصبح السيد ابو العلا على هذه الشاكلة فى تعامله مع الأمور ومن أين تأتى خلفيته ليصارع الجميع هكذا دون هوادة ، فيأخذنا أسامة فى ذلك المشهد الممتد مكانياً الى غرفة مكتب أبو العلا فى منزله ويبدأ المشهد فى حوار بينه وبين صديق عمره تهامى فنرى. فلابد أن يتحد كل فرسان الخير حتى يتم القضاء على الشر فى كل صوره هذه كلمة السر من المؤلف الى المتلقى فللأسف الشديد يوجد الكثير من فرسان الخير ولكنهم فى إنفصال زمانى ومكانى عندما يتحدوا يحققون غايتهم ويصحوا المجتمع ويدرك الجميع مافاتهم من الحياة نتيجة تغليب الفساد على القيم فى كل العلاقات بين البشر.
وهكذا تستمر رحلة السيد أبو العلا البشرى مرتكزة فى خطواتها على وجدان متابعيها ووصولهم لتلك اللحظة الفاصلة التى يتذكر فيها المرء أن لديه ضمير وأن قيم الحق والخير والجمال أسمى وأنفع للإنسان بدلاً من الفهلوة والغش والخداع ، ولكن هل يمكن أن يصغى المرء بسهولة لتلك اللحظة ؟ وهو مايؤكد لنا أن الرحلة لاتزال مستمرة.
“رأفت الهجان”
إن الدراما والأعمال الفنية عموماً، سلاح مهم في مواجهة التحلل الاجتماعي والظواهر السلبية، ورافد مهم من روافد التربية على القيم والأخلاق الحميدة.
أن أجيالاً من المصريين عاشوا لحظات تأثر خلال مشاهدة مسلسل “رأفت الهجان”، وأن هذا المسلسل ركز على غرس قيمة حب الوطن والتضحية من أجله، والمخاطرة بالنفس في سبيل حماية وخدمة مصالح الوطن».، وتعزيز الهوية الوطنية وترسيخ الانتماء القومي.
ان الأعمال الدرامية التي تجسد البطولة، يكون لها تأثير كبير على الناس، وتقدم صورة إيجابية للمجتمع، و على مدار تاريخ صناعة السينما والدراما المصرية، شاهدنا الكثير من الإنتاجات الرائعة لها على مستوى الأعمال الجاسوسية، أن يتعرف على أسبابه تاريخ نشأة الأفلام الجاسوسية.
إن السبب الأول يكمن في إقدام صناع السينما والدراما المصرية، على إخراج بطل هذه الأعمال الفنية بقيم مغايرة بشكل تام، عن مثيله بأفلام الجاسوسية الأجنبية. أن بطل أعمال الجاسوسية المصرية، يمتاز بالنبل الشديد، الذي استمده من نبل القضية التي يقدمها.
أن ما يميز الأعمال الجاسوسية المصرية أيضا، أنها تقدم قضية عادلة لا تتعدى فيها على أي دولة أخرى، أو تحمل في طياتها أي أطماع لها.
أسباب نجاح وتميز الأعمال الجاسوسية المصرية، إلى أنها احتوت على قدر كبير من العاطفية والعلاقات المتشابكة الوطيدة، بين أبطال هذه الأعمال، إضافة إلى البساطة في تنفيذ تلك الأعمال، والأبتعاد عن أي تعقيدات.
الشخصيات في هذه الأعمال واضحة وبسيطة، وكذلك الصراعات الدرامية بها نفس الأمر، وبالتالي كل الأحداث تتطور بشكل بسيط، مما يجعل تلقيها من المشاهدين ليس بالصعب على الإطلاق، والتعاطف مع أبطالها ضرورة ملحة وأن الجمهور يرغب في مشاهدة أعمال تحمل قيم الوطنية والتضحية والتكاتف، وهذا ما ظهر جلياً بعد عرض فيلم “الممر”، كما أن المتلقي يصدق الدراما ويعتبرها تاريخاً حقيقياً، فصورة صلاح الدين الأيوبي التي حفرها أحمد مظهر في أذهان الجماهير، أقوى من كتب التاريخ التي تتحدث عن صلاح الدين.
عائلة ونيس
(محمد صبحي) وزوجته مايسة (سعاد نصر) على تربية أبناءهما الأربعة على الأخلاق والقيم الصالحة، وأثناء تأديتهم لهذه الرسالة يكتشفان أنهما يخالفان الكثير من القيم التي يحاولنان زرعها في أولادهما، فيحاولان التصحيح من نفسيهما.المسلسل ﺇﺧﺮاﺝ أحمد بدر الدين، ومن تأليف مهدي يوسف، ومحمد صبحي.
لأن الأخلاق والقيم من دعائم تطور المجتمعات والأمم، من هذا المنطلق فإن العديد من دول العالم – أياً کانت ديانتها- تنادي الآن بکل السلوکيات الإنسانية الکريمة، وتسعى إلى تربية أبناءها على القيم والأخلاق، لتحقق نجاحاً باهراً، وتقدماً ملحوظاً في جميع المجالات، ولذلک فإنه من الأولى بالدول الإسلامية أن تعود للخلق الديني القويم الذي يدعو ويؤسس للقيم والمبادئ والسلوکيات القويمة، وقد وضعت مصر في خطتها الإعلامية التأکيد على دور الإعلام في بث القيم والأخلاق النبيلة.
أن التليفزيون يعمل على نشر واکساب القيم الدينية والأخلاقيات الحميدة، وبالرغم من هذا فإن المساحة التي تشغلها الدراما التي تقدم نماذج تربوية وتؤدي الدور التربوي الذي من المفترض أن يقوم به الإعلام قليلة للغاية، تکاد تکون نادرة، ومن هنا کان هذا البحث التى رکز على أحد نماذج الدراما التي تقدم نماذج وأساليب تربوية وهو مسلسل “يوميات ونيس” واستمرلأکثر من 18 عاماً من بداية عرضه الجزء الأول على قنوات (أرت) الذي بدء عرضه عام 1994م، ثم الأجزاء التالية بشکل سنوي، وإعادة إذاعة أجزائه الثلاثة الأولى على التليفزيون المصري عام 1996م، وثم تم بث الجزئين الرابع والخامس؛ ثم توقف إنتاج أجزاء جديدة من المسلسل لعشرة سنوات إلى أن تم إنتاج وعرض الجزء السادس بعنوان “يوميات ونيس وأحفاده” عام 2009م، وصولاً إلى الجزء السابع الذي أنتجه التليفزيون المصري عام 2010م بعنوان “يوميات ونيس وأيامه” فهذه السلسلة تقدم نماذج تربوية للأسر المصرية ومشاکلها عن طريق تقديم نماذج لشخصيات سلبية وأخرى إيجابية، وتقديم نماذج للأساليب التي تتبعها هذه الشخصيات في الحياة لمواجهة مشاکل المجتمع، لذلک تبحث هذه الدراسة في دور هذا النوع من الدراما (التربوية) المتمثلة في مسلسل “يوميات ونيس”- عينة الدراسة التحليلية – ودورها في اکساب الأطفال والمراهقين لما تبثه من قيم وسلوکياتوهناك أعمالاً درامية خالدة تؤرخ لحياة المصريين الاجتماعية، وتبرز قيم الحب والتسامح والتضامن، ومنها مسلسلات (المال والبنون، وليالي الحلمية)، والشهد والدموع ، و هي باقية في وجدان الناس، لأنها ترسخ قيم الأصالة في مصر.