أبو الغيط أمام المؤتمر الرابع للبرلمان العربي: ضرورة توحيد الرؤى لمواجهة أزمات العرب
كلمـــة
ألقى السيد/ أحمـد أبـو الغيـط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ملمة فــي المؤتمر الرابع للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية جاءت على النحو التالى:
معالي السيد عادل بن عبد الرحمن العسومي
رئيس البرلمان العربي
أصحاب المعالي رؤساء المجالس والبرلمانات العربية
السيدات والسادة أعضاء المجالس والبرلمانات العربية
السلام عليكم ورحمة الله وبركات،
يسعدني الترحيب بكم في مقر جامعة الدول العربية “بيت العرب” بمناسبة انعقاد المؤتمر الرابع للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمان العربية بحضور هذا الجمع الكريم من ممثلي الشعوب ومجالس الشورى والأمة في الدول العربية، والذي يعدُّ فرصةً هامةً
لتوحيد الرؤى حول التحديات التي تواجه أمتنا العربية، حيث نجتمع اليوم بعد حالة إغلاق تسببت فيها جائحة كورونا قرابة العامين.
كما لا يفوتني الترحيب بشكل خاص بأصحاب المعالي أعضاء المجالس والبرلمانات العربية الذين يحضرون هذا المؤتمر لأول مرة بعد توليهم مهامهم الجديدة متمنياً لهم وللجميع التوفيق والنجاح.
السيد الرئيس،
تُعلق جامعة الدول العربية على البرلمان العربي أهمية كبيرة باعتباره تجسيداً لركن جوهري في منظومة العمل العربي المشترك… إن هذه المنظومة، كما تعلمون، لا ترتكز على التنسيق السياسي وحده.. ولا تتناول الموضوعات الدبلوماسية والسياسية دون غيرها.. بل هي إطارٌ شامل لعددٍ متشعب من الروابط والعلاقات التي تجمع الدول العربية، والشعوب والمجتمعات العربية، على أكثر من صعيد، وفي مجالات متنوعة تشمل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي.. وفي هذه المنظومة، فإن صوت الشعوب لابد أن يكون حاضراً ومؤثراً.. وهو ما يجسده البرلمان العربي، ويُعبر عنه في اجتماعاته المشتركة، ومواقفه العلنية، وتحركاته على الصعيد الدولي.
إن دور البرلمان العربي يعكس معنى مهم وقيمةً ضرورية في العمل العربي .. وهي قيمة الحكم الرشيد كأساس للنهضة الشاملة، وكركيزة للاستقرار والتنمية.. ولا شك أن مؤسسات التمثيل والتشريع والرقابة، ممثلة في البرلمانات، تُعد ركناً أساسياً في منظومة الحكم الرشيد الذي يقوم على إشراك الشعوب في العملية السياسية والتنموية.. باعتبار أن الإنسان هو جوهر العملية التنموية وأداتها، وهو أيضاً من يجني ثمارها في تحسين جودة حياته، وتوسيع هامش الفرص التي تتوفر له ولأبنائه.
ولا شك أننا جميعاً نرصد توسعاً في دور البرلمانات في دول العالم المختلفة، باعتبارها الساحة المُثلى للتعبير عن إرادة الشعوب، والناقل الحقيقي لصوت الجمهور.. وبرغم كل ما يُقال عن انتشار وسائل الاتصال الاجتماعي، وتضخم تأثيرها في التعبير عن الرأي العام.. فإنني لا زلتُ مقتنعاً بأن المؤسسات النيابية تظل هي القناة الحقيقية الواصلة بين الشعوب والحكومات.. والضامن لعدم اتساع الفجوة بينهما.. فلا تصير الحكومة، وخططها وأهدافها، بعيدة عن آمال الشعب وطموحاته.. ولا يصير الشعب، بتطلعاته ورغباته، بعيداً عن الحكومة وبرامجها وسياساتها.
والحقيقة أن من يقف بالتأمل والتدبر أمام التجربة الصعبة التي مرت بها منطقتنا في العقد المنصرم، سيدرك أن تماسك النسيج الوطني يُعد الحصن الأهم الذي يحفظ وجود الدولة واستمرارها.. فقد شهدنا، بأسف، دولاً عربية تتحلل مؤسساتها، وتنفصم عُرى وحدتها.. فتصير نهباً لتدخلات خارجية وإقليمية.. وساحة لمنافسات وأطماعٍ أجنبية.. ولا شك أن هذه التدخلات وتلك الأطماع تجد فرصتها عندما يضعف النسيج الوطني، وتتراجع قيمة الدولة الوطنية، الحاضنة لجميع مواطنيها، والقائمة على المساواة الكاملة أمام القانون، وعلى الحكم الرشيد.
إن التحديات التي تواجه الدول الوطنية العربية تفرض علينا جميعاً التيقظ والانتباه لمُخططات تستهدف تقسيم المجتمعات على أساس طائفي، أو عرقي أو ديني أو مناطقي.. وبحيث تفقد المواطنة الحديثة في دولة القانون معناها وقيمتها.. ويتحول المواطن إلى عضوٍ في هذه الجماعة أو تلك الطائفة، قبل أن يكون مواطناً .. وفي هذا يكمن الخطر، كل الخطر… فالمواطنةُ في الدولة الحديثة هي مناط الحقوق والواجبات، ومحل الانتماء والولاء… وهي الرابطة الأساسية التي تجمع أبناء الوطن الواحد، وتوحد بينهم.. ولا شك أن البرلمانات هي التجسيد الحي لقوة هذه الرابطة، والدليل العملي على حيوية تلك الوحدة، واستمراريتها.
السيدات والسادة،
إن للبرلمان العربي صوتاً عالياً في رفض أخطر التهديدات التي تواجه مجتمعاتنا، وأقصد هنا الإرهاب والفكر المتطرف الذي يتغذى عليه الإرهاب.. إن هذه الظاهرة الخطيرة تنشط وتستفحل في مناطق الأزمات، بما يصاحبها من فراغ أمني وسياسي، وتشرذم اجتماعي.. ويتعين على البرلمان العربي أن يستمر في التعبير عن صوت الشعوب في رفض الإرهاب بكافة ألوانه وتجلياته.. وبحيث تصل هذه الرسالة أيضاً إلى أصدقائنا عبر العالم.. ليعرفوا أن الغالبية العظمى من شعوبنا تتبرأ من الفكر المتطرف والتكفيري، وترفض جماعات القتل باسم الدين.. وأن العمل البرلماني في كافة الدول العربية لا يُغفل هذه الظاهرة بل هو يتصدى لها في كل مناسبة، ويواجهها على نحو متواصل ومتضافر… وفي هذا الصدد فإنني أتطلع بكل اهتمام لقراءة الوثيقة الصادرة عن مؤتمركم هذا، والمعنونة “رؤية برلمانية لتحقيق الأمن والاستقرار في العالم العربي”.
السيد الرئيس،
إن مواقف البرلمان العربي في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وعن الحق الفلسطيني الراسخ في الحرية وإقامة الدولة المستقلة، تظل رصيداً مضافاً لهذه القضية المركزية… إن مواقفكم، كما أتابعها باهتمام، تعكس شعور المواطن العربي، وتُعبر تماماً عما يشعر به من رفض واستهجان لما يكابده الشعب الفلسطيني يومياً من عنصرية مقيتة، وسياسات لا يُمكن وصفها سوى بالتطهير العرقي.
إن دوركم في التواصل مع المجالس النيابية والبرلمانات عبر العالم يظل محورياً في كسب معركة الرأي العام على صعيد المجتمع الدولي.. سواء بالتضامن مع أصدقائنا الذين يتزايد اقترابهم كل يوم من رؤية الأوضاع في فلسطين على حقيقتها.. أو بعرض مواقفنا العادلة على من لا يعرفون بما يجري في فلسطين، أو يقعون تحت التأثير الطاغي للآلة الإعلامية للقوة القائمة بالاحتلال.
وفي نهاية كلمتي لا يسعني سوى أن أعبر عن التقدير والشكر لبرلمانكم الموقر على ما يبذله من جهد وعطاء في الاضطلاع بمهامه وأنشطته من أجل تعزيز العمل العربي المشترك، ومواجهة التحديات والمسئوليات الجسيمة التي تواجه أمتنا العربية للوصول إلى الآفاق التي تنشدها مجتمعاتنا العربية.
شكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،