أشرف أبو عريف
في أعماق التاريخ، ومنذ ثلاثة قرونٍ مضت، كُتبت الملحمة، ونُقشت أمجاد الأبطال، وبُنيت دعائم الدولة السعودية في يوم الفخر والعِزة والكفاح، ليتم حفر يوم التأسيس بحروف من نور، وتتعرف الأجيال الحالية، بل والعالم أجمع على عراقة الدولة السعودية وحضارتها العظيمة.
أمر ملكي
في خطوة تضيء المستقبل بعيون التاريخ، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، أمرًا ملكيًا بأن يكون يوم 22 فبراير من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، تحت اسم “يوم التأسيس”، ويصبح إجازة رسمية، وأشار الأمر الملكي الكريم إلى أن اختيار هذا التاريخ يعود إلى أن “منتصف عام 1139هـ الموافق لشهر فبراير من العام 1727م كان بداية عهد الإمام محمد بن سعود وتأسيسه للدولة السعودية الأولى”، وأن هذا الأمر يأتي “اعتزازاً بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها منذ ثلاثة قرون”.
وقدّم الأمر الملكي نبذة عن مراحل تطور تاريخ المملكة على مدار ثلاثة قرون مشيرًا إلى أن الدولة السعودية الأولى “استمرت إلى عام 1233هـ (1818م)، وعاصمتها الدرعية ودستورها القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم” لافتًا إلى أنه خلال تلك المرحلة، “أرست الدولة السعودية الأولى الوحدة والأمن في الجزيرة العربية، بعد قرونٍ من التشتت والفرقة وعدم الاستقرار، والصمود أمام محاولات القضاء عليها”.
وتابع: “إذ لم يمضِ سوى سبع سنوات على انتهائها حتى تمكن الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود عام 1240هـ (1824م) من استعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية التي استمرت إلى عام 1309هـ (1891م)”.
وأردف: “وبعد انتهائها بعشر سنوات، قيض الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود عام 1319هـ (1902م) ليؤسس الدولة السعودية الثالثة ويوحدها باسم المملكة العربية السعودية، وسار أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز بناء هذه الدولة ووحدتها.”
نواة التأسيس
يزخر تاريخ الدرعية بملاحم بطولية، وماضٍ تليد ضارب بجذوره في عمق التاريخ، ومهدًا انطلقت منه الدولة السعودية، ورمزاً للوحدة التي يعيشها السعوديون، إلى جانب دورها التاريخي في تأسيس الاستقرار وجلب الازدهار بمشاركة أبناء المملكة في مختلف أنحائها.
تأسست الدرعية على ضفاف وادي حنيفة عام 850هـ / 1446م، حينما قدِم مانع المريدي جد الأسرة الحاكمة إلى المنطقة، واضعًا اللبنة الأولى لتأسيس الدولة، لتصبح هذه المدينة نقطة عبور مهمة لقوافل الحج والتجارة، ومركزًا مهمًا للاستقرار، وفي تلك الفترة لم تكن الأحوال السياسية جيدة في شبه الجزيرة العربية، فقد كانت تعاني الإهمال والتفكك والتناحر وانتشار الجهل والأمية.
الدولة السعودية الأولى 1727م
وفي عام 1139هـ/ 1727م، تولّى إمارة الدرعية الإمام محمد بن سعود الذي كان يملك حسًا إداريًا جيدًا، ونظرة مستقبلية، فعمل على البدء بالتغيير، معلنًا قيام الدولة السعودية الأولى، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ شبه الجزيرة العربية بأسرها، حيث وضع لبنة الوحدة العظيمة التي وحدت معظم أجزائها، وأضحت مصدر فخر واعتزاز لكل العرب والمسلمين، ونتيجة لكل ذلك فقد أصبحت مدينة الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف، ومصدر جذب اقتصادي واجتماعي وفكري وثقافي.
وازدهرت التجارة بشكل كبير، ليكون سوق الدرعية أعظم الأسواق في المنطقة، إضافة إلى أن النظام المالي للدولة من أعظم النظم التي عرفتها شبه الجزيرة العربية، وقد هاجر في ذلك الوقت كثير من العلماء إلى الدرعية للتعليم والـتأليف؛ مما أدى إلى ظهور مدرسة جديدة في الخط والنسخ.
الدولة السعودية الثانية 1824م
اهتمت الدولة السعودية بالدرعية، وجعلتها مركزًا لمحاربة الجهل والأمية مما أثار حنق الدولة العثمانية التي سخرت طاقاتها لإسقاط الدولة السعودية، وبعد حروب متواصلة استمرت نحو 7 سنوات، سقطت الدرعية عام 1233هـ 1818م، بعد حملة دمار وتخريب واسعة، لتفكيك الوحدة المتأصلة في نفوس أهلها ومعظم قرى نجد والمناطق المجاورة لهما.
وبعد سقوط الدولة السعودية الأولى، استطاع الإمام تركي بن عبد الله بعد نشاط متواصل استمر 7 سنوات أن يطرد الحاميات العثمانية من نجد ويحررها ويدخل الرياض عام 1240هـ 1824م، ليثبت أن حملات الدولة العثمانية المتكررة على نجد لم تؤتِ أكلها، واضعًا لبنة جديدة راسخة من لبنات البقاء والثبات.
واستطاع الإمام تركي بن عبد الله إعادة توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية في مدة قياسية، ضاربًا بذلك أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام، واستمرت الدولة السعودية الثانية على الأسس ذاتها التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى، مركزة على حفظ الأمن، والتعليم، والعدل، والقضاء على الفرقة والتناحر، والانفتاح السياسي على العالم، حيث أثبت قادتها المقدرة الفائقة على التواصل مع العديد من الدول وإقامة علاقات جيدة معها، وظلت الدولة السعودية الثانية تحكم المنطقة حتى عام 1309هــ 1891م.
الدولة السعودية الثالثة 1902م
وبعد فراغ سياسي استمر حوالي 10 سنوات، تمكن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود في الخامس من شهر شوال 1319هـ- 1902م، من استرداد الرياض والعودة بأسرته إليها، ليبدأ صفحة جديدة من صفحات التاريخ السعودي، شكلت نقطة تحول كبيرة في تاريخ المنطقة أدّى إلى قيام دولة سعودية حديثة، تمكنت من توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية وتحقيق منجزات حضارية واسعة في كل المجالات.
وفي السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م، أعلن الملك عبدالعزيز – رحمه الله – توحيد البلاد تحت مسمى المملكة العربية السعودية، وتوحيد رؤيتها تحت راية الإسلام وشهادة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وذلك بعد ملحمة تاريخية استمرت نحو 30 عامًا، واستمر أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز لبنات البناء والاستقرار والتنمية وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الامين الأمير محمد بن سلمان –حفظهما الله، لتتبوأ المملكة مكانة إقليمية ودولية كبيرة، وتحظى بثقة عالمية متينة، وتشهد إنجازات في مختلف المجالات.
يوم التأسيس.. واليوم الوطني
يكشف سرد الحقائق التاريخية السابقة أنه لا تعارض بين يوم التأسيس واليوم الوطني السعودي، حيث أن يوم التأسيس الموافق 22 فبراير 1727م يمثل ذكرى بداية تأسيس الدولة السعودية الأولى وعاصمتها الدرعية على يد الإمام محمد بن سعود، أما اليوم الوطني الموافق 23 سبتمبر 1932م هو ذكرى توحيد البلاد على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، وتسميتها بـ “المملكة العربية السعودية”.