أشرف أبو عريف
مع الانتهاء من الأعمال الإنشائية في البنية الأساسية بميناء الدقم العُماني ومباشرة خدماته، يعمل الميناء حالياً على اتخاذ خطوات ثابتة من أجل تحقيق نمو كبير في السنوات التالية، وتطوير المشروعات الاستراتيجية والمبادرات الخضراء.
ومن المشاريع التي تتوافق بالكامل مع الاستراتيجية المتبعة من قبل شركة ميناء الدقم، مشروع «هايبورت الدقم» الذي يعتبر الأكثر أهمية من بين المبادرات الخضراء حيث يستهدف إنتاجاً ضخم الحجم من الهيدروجين الصديق للبيئة (من الطاقة المتجددة) كوقود مستقبلي ومشتقاته وتصدير هذه المنتجات عبر ميناء الدقم، ويقع المشروع في موقع قريب من الميناء (بالقرب من رصيف نقل السوائل لتسهيل تصدير المنتجات السائبة)، ومن المتوقع للمشروع أن يحول ميناء الدقم إلى محور من أجل تداول وتوزيع الهيدروجين الأخضر وهو ما يضع ميناء الدقم على الخريطة العالمية في الاقتصاد الوليد للهيدروجين.
وأكد خبراء ورجال أعمال أن عوامل الإنتاج وسلاسل التوريد العالمية أفرزت قواعد تجعل من الدقم وصلة مهمة في مسارات التجارة الدولية، وأن سلطنة عُمان تمتلك سجلاً تاريخياً كمركز للتجارة الإقليمية والدولية، وكنقطة التقاء بين أسواق الإنتاج وأسواق الاستهلاك ولديها اتفاقيات التجارة الحرة، مما يجعل من ميناء الدقم المطل على خطوط الملاحة البحرية وخدماته المتعددة مركزاً عالمياً لوجستياً.
كما يقوم الميناء بتوسيع عروض الخدمات البحرية ويركز على تطوير الميناء كميناء رئيسي للتزود بالوقود، وتطوير مشاريع مشتركة لضمان توفير وقود أكثر مراعاة للبيئة بما يتماشى مع اللوائح الدولية، ومنذ إطلاقه كميناء تجاري، بدأ ميناء الدقم تدريجياً في شغل مكانة محورية في قطاع الثروة السمكية من خلال دعم أنشطة التصدير من خلال رصيفه التجاري.
وأكد عدد من الخبراء الاقتصاديين أن المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم تأتي لتكون إحدى قاطرات النمو المهمة في المستقبل لسلطنة عُمان، حيث تعتبر هذه المنطقة إحدى أهم الآليات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة العُمانية لتعزيز جهود التنويع الاقتصادي، وجاء إنشاء المنطقة في عام 2011 كإحدى ثمار النهضة التي تشهدها السلطنة على كافة الأصعدة، حيث تركز على استقطاب مجالات استثمارية جديدة تتميز بكثافتها للأيدي العاملة الوطنية من الشباب، وتعزيز القيمة المضافة للثروات التي تزخر بها سلطنة عُمان بصفة عامة، ومحافظة الوسطى بصفة خاصة، فضلاً عن الاستغلال الأمثل للموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تتميز به المنطقة على الشريط الساحلي لبحر العرب المفتوح على المحيط الهندي، وتزخر بثروات سمكية هائلة وبقربها من مناطق إنتاج النفط والغاز وتوافر العديد من المعادن التي يمكن استغلالها في إقامة مشروعات صناعية، الأمر الذي يؤهلها لتصبح قاعدة صناعية متكاملة لصناعات التحويلية، كما أن تنفيذ المصفاة ومشروعات الصناعات الثقيلة والبتروكيماوية يعتبر حافزاً لتنفيذ مشروعات أخرى متوسطة وخفيفة.
وتعد المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم من ضمن المناطق الاقتصادية الكبرى في العالم والأكبر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث المساحة البالغة 2000 كيلومتر مربع قادرة على توفير المساحات المطلوبة للمشروعات، كما تفسح المنطقة المجال للمطورين الراغبين في تنفيذ مشاريع متنوعة على مساحات تزيد عن 50 هكتاراً تنفيذ مشروعاتهم من منحهم مزايا إضافية.
كما تعتبر المنطقة الاقتصادية بالدقم المطلة على بحر العرب أحد أبرز المناطق الصناعية في السلطنة، فموقعها الجغرافي يعطي بعداً سياسياً واقتصادياً، فقد شُيدت على بنية أساسية رفيعة المستوى، تلتزم بأعلى معايير المحافظة على السلامة والبيئة، وتتوفر بها مرافق اقتصادية وسياحية جذابة تجعلها واحدة من أفضل الأماكن للزيارة والإقامة والعمل والاستثمار في منطقة الشرق الأوسط، وواحدة من أهم المراكز الاستراتيجية في المنطقة والعالم.
وعلى صعيد بيئة الاستثمار في الدقم، أكد الخبراء أن المستثمرين بشكل عام يجدون ما يبحثون عنه من مزايا لموقع استثماراتهم في منطقة الدقم الخاصة، والتي تشمل سهولة الإجراءات الحكومية والاستقرار السياسي، والبنية الأساسية، والاتصالات، والملكية، ومدى توفر الموارد الطبيعية ووسائل النقل والأيدي العاملة الماهرة ومناطق الجذب السياحي ومزايا الإقامة في منطقة الاستثمار ومدى توفر مستشفيات ومدارس وأماكن للتسلية، وغيرها من الخدمات اليومية الأساسية، وهذه الأمور جميعها هي التي تجعل من مدينة الدقم بيئة جاذبة للاستثمار.
كما أكدوا أن محركات العولمة المرتبطة بعوامل الإنتاج وسلاسل التوريد العالمية أفرزت قواعد ومبررات تجعل الدقم بمساحتها الشاسعة وموقعها المتفرد المطل على ممرات مائية وصلة مهمة في مسارات التجارة الدولية، ولا يخفى أن (قطاع اللوجستيات) هو أبرز مكامن القوة وتمتلك فيه الدقم ميزة جغرافية وإطلالة على ممرات مائية واسعة قريبة من الأسواق الأفريقية والهندية والآسيوية وهي ذاتها الأسواق التي تستهدفها المنتجات العُمانية والخليجية، كما أن وجود ممر بري مباشر عن طريق منفذ الربع الخالي سيعمل على تعزيز التنافسية من خلال تقليل تكلفة الشحن، والتأمين والمدد الزمنية التي يحتاجها للمرور من الممرات المائية الخطرة وغير المستقرة، فعُمان تمتلك سجلاً تاريخياً كمركز للتجارة الإقليمية والدولية، وكنقطة التقاء بين أسواق الإنتاج وأسواق الاستهلاك ولديها اتفاقية التجارة الحرة مع سوق عملاق في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الحال فيما يتعلق بقطاع الثروة السمكية الذي تمتلك فيه سلطنة عُمان وخاصة محافظة الوسطى مخزوناً كبيراً جداً ومصائد مفتوحة مطلة على المحيط الهندي، كما تزخر الدقم بمخزونات كبيرة عالية الجودة من المعادن المختلفة وغير ذلك من قطاعات.
وقد بدأت مدينة الدقم الدخول إلى مرحلة الإنتاج الفعلي لدعم الاقتصاد الوطني، وتحتوي المنطقة على العديد من البنى الأساسية الداعمة والمستقطبة للاستثمارات، إذ تضم ميناءً بحرياً بمواصفات عالمية، ومركزاً صناعياً كبيراً، ومحطتين لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه، ومطاراً جوياً دولياً لخدمة المسافرين من وإلى الدقم ولأغراض الشحن، وحوضاً جافاً لصيانة السفن، وشبكة متكاملة من الطرق المزدوجة والمفردة ومجموعة متنوعة من الخيارات الفندقية، وغيرها من المشاريع التي جعلت هذه المنطقة نموذجاً للتنمية الاقتصادية المتكاملة لا سيما أنها تدار بواسطة هيئة حكومية مستقلة مالياً وإدارياً، ويبلغ إجمالي الاستثمارات التي وقعت عقود انتفاع مع هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم حتى نهاية عام 2019 حوالي 14 مليار دولار.
ويحظى ميناء الدقم باهتمام عالمي حتى قبل افتتاحه بسنوات وهو مؤشر إيجابي على نجاح الميناء في جذب انتباه المستثمرين الأجانب خاصة، بالإضافة إلى عامل الموقع فإن الميناء يقع ضمن منطقة الدقم الاقتصادية التي تقدم حوافز ممتازة للمستثمرين من حيث الرسوم والضرائب والجمارك والبنية الأساسية المناسبة، إلى جانب وجود حوض جاف لخدمة السفن القادمة ووجود مطار الدقم الذي تم بناؤه على أفضل المواصفات ومصفاة الدقم ومراكز تخزين النفط في رأس مركز، والعديد من المرافق السياحية والترفيهية التي تشكل بيئة جاذبة لممارسة الأعمال.