احتفالا بالذكرى السنوية الـ 577.. مصر تحتفل بانتصار العثمانيين على الصليبيين.. اشهد يازمان
منذ 577 عاما..احتفلت مصر بانتصار العثمانيين على الصليبيين وشكل الانتصار في معركة فارنا ضربة قاسية للغرب الذي انكفأ بعدها عن التعدّي على السلطنة التي فرضت سيطرتها على منطقة البلقان وشرقي أوروبا مدة 4 قرون.
* اشهد يازمان!
تحل اليوم الأربعاء، الذكرى السنوية الـ 577 لوقوع معركة فارنا بين الدولة العثمانية والحملات الصليبية، والتي كانت آخر الحملات الصليبية ضد الدولة العثمانية، وآخر معركة في حملة ڤارنا الصليبية، وإحدى الحروب التي غيرت مجرى التاريخ في المنطقة ووطدت مستقبل العثمانيين لأكثر من أربعة قرون في منطقة البلقان.
* المسار الزمني قبل المعركة!
بعد غزو تيمورلنك لأراضي الدولة العثمانية عام 1402، والتسبب بفترة صعبة للعثمانيين، تمكن السلطان محمد الأول من توحيد الدولة من جديد، إلا أنها كانت قد خسرت الكثير من أراضيها في الأناضول وأوروبا، ما جعل مهمة استعادة هذه الأراضي وضمّها من جديد للدولة العثمانية تقع على كاهل مراد الثاني ابن السلطان محمد الأول.
استطاع السلطان مراد الثاني الذي كان يتمتع بلياقةٍ عسكريةٍ وحنكةٍ سياسية كبيرة ضمّ الأراضي التي سُلبت من العثمانيين، وبدأ في التفكير باستكمال مسيرة جدّه بايزيد الأوّل الذي حاصر القسطنطينية وحاول فتحها ولم يستطِع.
عام 1428 كانت الدولة العثمانية تحت حكم السلطان مراد الثاني، في حالة حربٍ مع مملكة المجر وجمهورية البندقية.
وبعد سنوات من الاقتتال، أسفرت مفاوضاتٌ بين الجانبين عن التوصل لاتفاق سلام ينصّ على جعل إمارة الصرب دولةً عازلةً بين العثمانيين والمجريّين، تحت حكم دورود برانكوفيتس أمير الصرب.
لكنّ أمير الصرب وأبو زوجة السلطان مراد عاد من جديد وثار عليه، فكانت عاقبته وخيمة هذه المرة، وفتح السلطان مراد عاصمته عام 1439، فهرب إلى مملكة المجر، ولجأ فيها.
في هذه الفترة تغيّر الحكم في المجر، حيث تولى الحكم خلفاً للملك سيغيسموند، نجله الملك آلبرت الثاني.
وعام 1440 فرض السلطان مراد الثاني حصاراً استمرّ 6 أشهر على مدينة بلغراد، التي انضمّت إلى الحكم المجريّ.
بالتزامن، شنّت إمارة بنو قرمان في الأناضول هجوماً على الأراضي العثمانية، فاضطرّ مراد الثاني إلى فكّ الحصار عن بلغراد والعودة إلى الأناضول للتصدّي لهم، لكنه أمر بشنّ عدة غارات على إمارة ترانسلفينيا التابعة للمجر بهدف إشغال المجريّين.
وفي العام نفسه، تُوّج فلاديسلاف الثالث ملكُ بولاندا ملكاً على المجر، وبمساعدة من جون هونيادي، أحد أقوى نبلاء المجر، تمكن من تهدئة الأوضاع في إقليم ترانسلفينيا شرق المملكة، واستطاع التصدّي للغارات العثمانية بين العامين 1441 و1442.
* النكث بمعاهدة أدرنة للسلام!
عام 1442، عرض مراد الثاني على ملك المجر الجديد، فلاديسلاف الثالث، عقد معاهدة سلام بين الجانبين، مقابل تسليم بلغراد للحكم العثماني، لكن الأخير رفض.
في هذه الأثناء، كانت الكنيسة الكاثوليكية في روما تخطط لشنّ حملة صليبية كبيرة ضدّ الدولة العثمانية لإخراجها من أوروبا، خاصةً بعد استقرار الأوضاع في مملكة المجر والدولة البيزنطية بعد انتهاء الحروب الأهلية، حيث أصبحت الكنيسة في روما قادرةً على بدء مفاوضاتٍ مع الدول المسيحية والتخطيط بشكل واقعيّ لتشكيل تحالف صليبيّ جديد.
وفي كانون الثاني/يناير 1443 أصدر رأس الكنيسة الكاثوليكية في روما، يوجين الرابع، مرسوماً يقضي بشنّ حملةٍ صليبية جديدة ضد العثمانيين، قائلاً إن “المسلمين في حال سيئة، وسيكون طردهم من أوروبا أسهل”.
عبر جيشٌ من 40 ألف جندي معظمهم من المجريين نهرَ الدانوب، بقيادة فلاديسلاف الثالث وجون هونيادي، وتمكنوا من الاستيلاء على مدينتَي نيش وصوفيا.
لكنّ مراد الثاني عاد وهزمهم في معركة بالقرب من مدينة صوفيا، فاضطروا للانسحاب والرجوع إلى المجر، ومن ثم وقّعوا معاهدة أدرنة للسلام مع العثمانيين، في آب/أغسطس 1444.
إلا أن ذلك لم يمنع الصليبيين من الاستمرار في حشد الجيوش الصليبية تحت مظلة معاهدة السلام.
* ميلاد القائد الفاتح..وأخر الحملات الصليبية!
بعد توقيع اتفاقية السلام، فُجع مراد الثاني بوفاة ابنه البكر علاء الدين، فقرّر التنازل عن العرش لابنه محمد الثاني الذي سيعرف بعد ذلك بـ”محمد الفاتح”، وانتقل السلطان الأب للإقامة في مدينة مانيسا في الأناضول والتفرّغ للعبادة.
كان محمد الفاتح في ذلك الوقت في التانية عشرة من العمر، فوجدت الدول الأوروبية في ذلك فرصةً ذهبية للانتصار على السلطنة العثمانية، فنكثوا ببنود معاهدة السلام وغدروا بالمسلمين.
حشد الأوروبيون جيوشهم وانطلقوا بها باتجاه مدينة فارنا على البحر الأسود، استعداداً للحصول على دعم من الأساطيل البحرية للفاتيكان والبندقية وجنوى، والتوجّه معها نحو القسطنطينية، ثم التحرّك منها باتجاه العاصمة العثمانية أدرنة.
تمّ اختيار ملك بولونيا والمجر فلاديسلاف الثالث، قائداً شرفياً على الجيوش، فيما عُيّن جون هونيادي قائداً ميدانياً لكل القوات المسيحية المشتركة.
*مراد الثاني يعتبر العرش مجدداً!
بلغ خبر الحملة الصليبية وعبورها الحدود إلى محمد الفاتح، عن طريق الصدر الأعظم، جندرلي خليل باشا، الذي نصح السلطان بالطلب من والده مراد الثاني العودة لاعتلاء العرش لمواجهة الصليبيين.
وافق مراد الثاني على الرجوع لمنصب السلطان وقيادة الجيش، وفور علمه بأمر الحملة الصليبية، سارع إلى تعبئة ونقل القوات العثمانية من الأناضول إلى أوروبا بدعم من سفن جنوى والبندقية الذين خانوا الجيش الصليبيّ حفاظاً على مصالحهم التجارية مع السلطنة.
* الحصار الخانق.. ومؤشرات النصر!
شارك في هذه الحملة ما لا يقل عن 20 دولة أوروبية، حيث تكوّن الجيش الصليبي من المجر وبولندا وبوهيميا والأفلاق الرومانيين وليتوانيا والألمان، وقواتٍ مشتركة من الفاتيكان والكروات وفرسان التيوتون، إلى جانب مشاركة عدة دولٍ صليبية أخرى.
سار الصليبيون بمحاذاة نهر الدانوب، وفي 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1444 وصلوا سهلَ فارنا، وفي نهاية اليوم نفسه، دخل الجيش العثماني فارنا من ناحية الغرب، قبل وصول الأسطول الصليبيّ عن طريق البحر.
وبهذا أصبح الجيش الصليبيّ محاصرا في مواقعه، فالبحر الأسود في الشرق، وبحيرة فارنا في الجنوب، وهضبة فرانغا في الشمال.
كان الجيش الصليبي يضم نحو 40 ألف جندي، والجيش العثماني بين 30 إلى 37 ألف جندي، وبعد أن عسكر الجيشان، عقد الصليبيون مجلس حربٍ في المساء لمناقشة الخطة، فاقترح مندوب الفاتيكان الانسحاب أو انتظار وصول السفن الصليبية، لكن ملك المجر فلاديسلاف الثالث وجون هونيادي رفضوا الاقتراح، واختاروا المواجهة.
* فارنا..المعركة الفاصلة.. والتشهير برأس ملك المجر على سن رمح إنكشارى!
وفي اليوم التالي، أي 10 تشرين الأول/نوفمبر 1444، نشر الصليبيون قواتهم بين تلّة فرانغا وبحيرة فارنا، فتمركزت القوات المجرية والبولندية المكونة من الفرسان الثقيلة في الوسط بقيادة فلاديسلاف، فيما تمركز وراءهم الفرسان الرومانيون الأفلاق في صفوف الاحتياط.
وفي الميمنة تمركز الألمان والكروات، بينما تمركزت في الميسرة بقيادة هونيادي، قوات تراسلفينيا والبلغار ووحدات الفرسان الأكثر خبرةً وشجاعة، والعديد من الفرسان المتوسطة.
كانت هناك ثقةٌ تامّة في الموقف العسكري للجناح الأيسر للجيش الصليبي لأنه كان مؤمّناً من ناحية الميسرة ببحيرة فارنا، إذا لا يمكن للجيش العثماني الالتفاف حوله، وعلى هذا الأساس تمركز الفرسان الأكثر خبرة في الميسرة.
أما الجيش العثماني، فكان قلبه بقيادة السلطان مراد الثاني، وتكوّن من الانكشارية وقوات المشاة الخفيفة، وتمّ وضع حواجز أمامهم وحفر خندق لصدّ هجوم الفرسان.
وفي الميمنة تمركز فرسان ولايات البلقان، أما في الميسرة فتمركز فرسان ولاية الأناضول.
بدأت المعركة بهجوم من الفرسان الخفيفة في الميسرة العثمانية على الميمنة الصليبية، لكن الصليبيين استطاعوا صد الهجوم، وملاحقة الفرسان العثمانيين الذين تراجعوا للخلف، ليكتشف الصليبيون أنهم وقعوا في الفخ، حيث تمّ تطويق قواتهم، ما أجبرهم على التراجع بشكلٍ عشوائيّ.
بعدها أمر السلطان مراد فرسان الميمنة بمهاجمة ميسرة الصليبيين، ورغم شدة الهجوم العثماني، إلا أن الصليبيين استطاعوا إيقافهم وشنّ هجومٍ مضادّ، وتراجعت الميمنة العثمانية إلى الخلف من شدة الهجوم.
وصلت المعركة إلى مرحلة حرجة جداً، فاستغلّ فلاديسلاف ابتعاد أجنحة الجيش العثماني وتحرّك بقواته لمهاجمة قلب الجيش، في محاولة لقتل أو أسر السلطان.
ظنّ الفرسان أنهم أجبروا فرق المشاة الخفيفة على التراجع، إلا أن السلطان مراد هو من أمرهم بذلك لخداع الصليبيين، ودفعهم إلى الاشتباك مع الانكشاريين.
عندها، تمكن أحد جنود الانكشاريين من قتل الملك المجري ورفع رأسه على رمح، وعندما رأى ذلك الفرسان الصليبيون انهارت معنوياتهم.
وفي محاولة منه لإنقاذ ما تبقى من القوات الصليبية، هاجم هونيادي قلب الجيش العثماني، لكنه فشل، فاضطر إلى الانسحاب من المعركة مع بقايا القوات الصليبية، فيما قتلت غالبية الجيش الصليبي.
* مصر.. العالم الإسلامي..الإحتفال بكسر أنف المجر وبولندا
لم تكن معركة فارنا مجرد هزيمة عادية للصليبيين، وإنما ضربة قوية لمملكة المجر وبولندا، اللتين دخلتا في حالة من الفوضى والصراعات الداخلية نتيجة الفراغ في السلطة بعد مقتل فلاديسلاف الثالث.
استمر الوضع على هذا الحال إلى أن تم انتخاب هونيادي وصياً على عرش مملكة المجر عام 1446، ليستمرّ في منصبه مدّة عشر سنين.
امتدّت الاحتفالات بالانتصار بمعركة فارنا إلى العالم الإسلامي، ففي الجمعة الأولى من وصول الخبر إلى القاهرة في 1 نيسان/أبريل 1445، أمر السلطان المملوكي سيف الدين جقمق بذكر اسم السلطان مراد الثاني بعد اسم الخليفة العباسي، وأقيمت في مصر احتفالات بالانتصار.
بعد هذه المعركة ظلّت الدولة العثمانية آمنة لعدة قرون من أي محاولة صليبية جادّة ثانية لإخراجها من أوروبا، واستطاع العثمانيون تأكيد حضورهم في منطقة البلقان (جنوب شرقي أوروبا) لقرون لاحقة.
بعد ذلك، استمرّ السلطان مراد الثاني في حكم الدولة العثمانية حتى العام 1451، وفي عام 1448 تواجه مجدداً مع هونياد في معركة كوسوفو الثانية فهزمه، ما أدّى إلى عزله عن حكم المجر تحت وطأة مشكلاتٍ سياسية داخلية.
كما فتحت هذه المعركة التي كسرت الجيش الصليبيّ، الطريق إلى القسطنطينية أمام الدولة العثمانية بقيادة السلطان محمد الفاتح عام 1453.
* نقلا عن وكالة أنباء تركيا..TR.