أبعاد ودلالات منح إيران العضوية الكاملة فى منظمة شنجهاى للتعاون
بقلم: أحمد سلام
الملحق الإعلامى لمصر فى الصين سابقاً
في غضون عام ونصف أو عامين على أقصى تقدير ستصبح إيران الدولة التاسعة التي تنال بشكل رسمي العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون التي تأسست رسميًا تحت هذا المسمى في عام 2001، هذا التطور الجديد في علاقات طهران بالمنظمة، أفصح عنه الرئيس الصيني شي جين بينغ في كلمته عبر الاتصال المرئي أمام القمة الحادية والعشرين للمنظمة بالعاصمة الطاجيكية دوشنبه في السابع عشر من سبتمبر الجاري، بقوله: “سنطلق الإجراءات لإدخال إيران في عضوية منظمة شنغهاي للتعاون”، وهو المقترح الذي قوبل بترحيب وتأييد قادة المنظمة، فما هي أسباب إطلاق عملية انضمام إيران إلى المنظمة في هذا التوقيت تحديدًا، والظروف المحيطة بتلك المسألة، ومدى استفادة إيران من انضمامها للمنظمة، وسيناريوهات العلاقة بين المنظمة ومنطقة الشرق الأوسط، خاصة في ضوء تأييد القمة لمنح صفة “شريك حوار” جديد لثلاث دول شرق أوسطية، وهي مصر والسعودية وقطر؟
أولاً: أسباب منح طهران عضوية كاملة
من الأهمية بمكان قبل التطرق إلى دوافع وأسباب تصديق دول منظمة شنغهاي للتعاون على الانضمام الرسمي لإيران، التطرق إلى الظروف التي كانت وراء نشأة وتأسيس المنظمة، باقتراح قادته الصين، وكذلك أهدافها الرئيسية، وذلك لأهميتها كعوامل مفسرة لحرص أعضاء المنظمة على ضم إيران إليها.
من المعلوم أن “منظمة شنغهاي للتعاون” انبثقت عن صيغة مجموعة “شنغهاي الخماسية” التي عقدت سلسلة اجتماعات أولها كان في 26 أبريل 1996، من خلال توقيع رؤساء كل من الصين ،روسيا ،كازاخستان ،قيرغيزستان وطاجيكستان على معاهدة تعميق الثقة العسكرية في المناطق الحدودية وكان ذلك في مدينة شنغهاي بالصين، وفي 24 أبريل 1997، وقّعت الدول نفسها على معاهدة الحد من القوات العسكرية في المناطق الحدودية في اجتماع عقد في موسكو، وشهد عام 2001، انضمام أوزبكستان إلى الدول الخمس المذكورة لتشكّل معًا بشكل رسمي “منظمة شنغهاي للتعاون”، مما وسّع نطاق عملها ليشمل التعاون الاقتصادي والثقافي والأمني بهدف محاربة بكين لما وصفته بـ “محاور الشر الثلاثة”، وهي: الإرهاب،الانفصالية والتطرف.
ومن اللافت للنظر أن دور المنظمة وتأثيرها السياسي يتجاوز منطقة أوراسيا إلى مناطق أخرى من القارة الآسيوية، بل خارج حدودها أيضًا، نظرًا إلى الثقل الاقتصادي والعسكري الذي يتمتع به أعضاؤها، كما أنها أخذت تتوسع تدريجيًا إلى خارج نطاقها الضيق، بضم دولا أخرى من منطقة آسيا الوسطى، أهمها الهند وباكستان.
وتتمثل أبرز أهداف منظمة شنغهاي للتعاون في الآتي: تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين الدول الأعضاء، التعاون في المجالات السياسية ،التجارية ،الاقتصادية ،الثقافية ،العلوم والتكنولوجيا والطاقة والنقل والسياحة وحماية البيئة، العمل على توفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، محاولة الوصول إلى نظام سياسي واقتصادي عالمي ديمقراطي، محاربة الجريمة وتجارة المخدرات ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الديني أو العرقي والإرهاب.
وتكمن أهمية المنظمة في كونها تشكّل أحد البدائل الدولية بعد سلسلة الاخفاقات، التي كانت وراءها واشنطن، من العراق وأفغانستان إلى ليبيا وانتشار التطرف والإرهاب، وكذلك مع عدم تحقيق أي تقدم ملموس في التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم “داعش”، علاوة على الدور المهم للمنظمة في إعادة التوازن في العلاقات الدولية، عبر تشكيل تحالف – يقول البعض – إنه مواز لتحالفات سياسية وعسكرية تحاول تحقيق مصالح دول محددة، ولو كان ذلك على حساب أخرى وبما يتعارض مع القوانين والأعراف الدولية.
في ضوء ما سبق، فإنه لا يمكن فصل قرار المنظمة بضم إيران رسميًا إليها عن مجموعة من الأسباب المهمة، لعل من أبرزها:
1- التطورات الأخيرة في أفغانستان، في ضوء سيطرة حركة طالبان على مقاليد الأمور في هذا البلد، وهي التطورات التي سيكون لها تداعياتها الأمنية والاستراتيجية على دول الجوار الأفغاني، ومن ضمنها بعض الدول الأعضاء في المنظمة، وعلى رأسها الصين، وقد عززت هذه التطورات من مكانة إيران لدى دول المنظمة لجهة وجود دور إيراني مساند لجهودها في هذا البلد، حيث يرى مراقبون أن الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، وكذلك الاستقرار غير المؤكد لحكومة طالبان الجديدة، قد عزز من مسألة جعل إيران عضوًا كامل العضوية في المنظمة، وكانت موسكو تشدد على ضرورة إشراك المسئولين الإيرانيين في المحادثات الرباعية الروسية – الصينية – الباكستانية – الأمريكية حول أفغانستان، ومن وجهة نظر بعض المحللين، فإن ثمة إدراكا من جانب منظمة شنغهاي للتعاون بأهمية دور إيران في تسهيل التوصل إلى حل للأزمة في أفغانستان. وبالتالي، فإن قبول عضوية إيران الكاملة في المنظمة يمكن أن يساعد دولها في التوصل إلى رؤية مشتركة بشأن مستقبل أفغانستان.
2- دعم إيران في مواجهة الولايات المتحدة، ومن ثم محاولة فك العزلة الدولية المفروضة على طهران من جانب الغرب عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا، على خلفية العقوبات الأمريكية بسبب ملفها النووي، وهو ما يعني – بحسب المراقبين – أن دول المنظمة تدعم إيران ولم تعد متضامنة مع الموقف الأمريكي، وهو ما يُعد “انتصارًا للدبلوماسية الإيرانية”.
3- أن منح العضوية الكاملة لإيران يأتي في سياق اتجاه المنظمة نحو توسيع مناطق ودوائر نفوذها وممارسة دورها وتأثيرها فيما وراء الإطار الجغرافي لأعضائها، وذلك بمد نطاق هذا الدور إلى مناطق إقليمية جديدة، تتمثل هذه المرة في منطقة الشرق الأوسط، والتي تعتبر منطقة تأثير ونفوذ تقليدي للغرب وتحديدًا للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما قد يفسر – كذلك – تأييد المنظمة لمنح ثلاث دول شرق أوسطية أخرى، وهي مصر ،المملكة العربية السعودية وقطر صفة “شريك جديد للحوار”.
ثانيًا: دلالات قبول عضوية إيران
في حقيقة الأمر، ينطوي قبول إيران كعضو كامل في منظمة شنغهاي للتعاون في هذا التوقيت على العديد من الدلالات، لكونه جاء في أعقاب حزمة من التطورات الهامة بالنسبة لإيران، سواء داخليًا أو خارجيًا، لعل من أبرزها:
1- انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسًا جديدًا لإيران في يونيو 2021، والذى أعلن في أغسطس 2021، أن تعزيز علاقات إيران مع روسيا والصين، العضوين الرئيسيين في المنظمة، هو من أولويات سياسته الخارجية، علاوة على سعيه منذ بداية ولايته إلى تعزيز حضور بلاده ومكانتها في العالم، من خلال تمتين علاقاتها على الصعيد الإقليمي، والاستفادة من إمكاناتها، وفي مقدمتها موقعها الجغرافي، وهو ما عكسه تصريحه خلال كلمته في قمة دوشنبه بأن “إيران يمكن أن تكون حلقة وصل لأوراسيا عبر ممر يربط الشمال بالجنوب”.
2- الاتفاق الاستراتيجي الصيني – الإيراني، الذي تم التوقيع عليه في طهران في 27 مارس 2021، بعد جولة إقليمية لوزير الخارجية الصيني وانغ يي شملت دول الخليج وتركيا، حيث يُعد الاتفاق بمثابة “طوق نجاة” لإيران من العقوبات الدولية المفروضة عليها، ويمكنها من خلاله تصريف إنتاجها النفطي.
3- الانسحاب الأمريكي العسكري المخزي من أفغانستان، البلد الذي خضع لاحتلال الولايات المتحدة لأكثر من 20 عامًا.
ومن حيث المضمون، فإن العضوية الكاملة لإيران في منظمة شنغهاي للتعاون تعكس من جهة تنامي دور وفعالية المنظمة على المستوى الدولي، من خلال الاهتمام الذي تبديه العديد من الدول للانضمام إلى عضويتها، ومن جهة أخرى هذا الانضمام يُكسب إيران مكانة إقليمية ودولية مهمة في مواجهة من ترى أنها أطراف منافسة أو أعداء لها على المستويين الإقليمي والدولي، علاوة على كونه دلالة مهمة على تنامي التوجه نحو الشرق في السياسة الخارجية الإيرانية.
ثالثًا: مكاسب إيران المتوقعة من المنظمة
على المستوى الرسمي، يُعد حصول إيران على العضوية الكاملة لمنظمة شنغهاي للتعاون نجاحًا دبلوماسيًا لها، ولاسيما على الصعيد الاقتصادي، حيث يتيح لها الاستفادة من سوق ضخم يبلغ حجمه 3 مليارات نسمة. كما سيتيح لدول المنظمة أيضًا فرصًا اقتصادية وتجارية ضخمة، وفي الوقت نفسه يساهم في بناء مبادرة “الحزام والطريق”،كذلك، اعتبرت طهران أن المشهد الحالي يجسد “إقامة نظام عالمي جديد حيث تعتبر رباعية القوي في الشرق (روسيا، الصين، الهند، إيران) من أهم اللاعبين الدوليين في هذه المنظومة العالمية الجديدة”، وأن “انضمام إيران إلى هذه المنظمة، على الرغم من معارضة واشنطن، يثبت أن عصر السياسات الأحادية انتهى ونشهد إقامة نظام عالمي جديد”.
ومما لا شك فيه، أن انضمام إيران إلى المنظمة سيترتب عليه التخفيف من عزلتها الدولية من خلال توسيع علاقاتها الثنائية والمتعددة الأطراف مع روسيا والصين ودول آسيا الوسطى، كما ستؤدي العضوية إلى تعزيز دور طهران في إدارة الأمن الإقليمي.
وفي ضوء ما تحظى به منظمة شنغهاي للتعاون من حجم تأثير وحضور على الساحة الدولية، فإن عضوية إيران الدائمة في المنظمة سوف تعود عليها بالعديد من المكاسب، من أهمها: تنامي نفوذ إيران في المعادلات الأمنية والاقتصادية والسياسية للمنطقة، زيادة قدرة إيران السياسية والأمنية والاقتصادية على المناورة أمام الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، تخفيف حدة الضغوط الاقتصادية وتجاوز العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ عقود، توسعة وتفعيل حضورها في مجال أمن الطاقة، الدخول إلى عدد من الأسواق المهمة في العالم وتعزيز التبادل التجاري الدولي، التعاون المصرفي حيث تتيح العضوية لإيران المشاركة في المجلس المصرفي المشترك بين الدول الأعضاء، علاوة على تعزيز التوجه الإيراني نحو الشرق من خلال التعاون الثنائي مع الصين وروسيا وكذلك الهند، وتقوية الاتفاقيات التي مدتها 25 عامًا مع الصين وتطوير أنشطة الموانئ، وخاصة ما يتعلق بميناء تشابهار مع الهند.
وفي مواجهة هذه المكاسب المتوقعة لإيران، توجد العديد من العقبات التي قد تعوق الاستفادة الفورية لإيران من العضوية من قبيل: مخاطر الاستثمار في مجال الطاقة في ظل العقوبات الأمريكية، حاجة إيران إلى إجراء كثير من التغييرات في مجال الاستثمار والتجارة الخارجية ومواصفات المنتجات والمقاييس الدولية، علاوة على تطوير بنيتها التحتية بصورة كبيرة، بجانب إحراز نجاح في علاقاتها الثنائية مع الدول الأعضاء في المنظمة.
رابعًا: سيناريوهات العلاقة مع الشرق الأوسط
يطرح منح إيران صفة عضو كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون العديد من السيناريوهات بشأن مستقبل العلاقات بين المنظمة والشرق الأوسط، تتراوح ما بين تنامي هذه العلاقات أو بقائها على ما هي عليه، أو تراجعها. وفي حقيقة الأمر، فإن المؤشرات على أرض الواقع تشير إلى إمكانية تنامي تلك العلاقات واتجاهها نحو مزيد من القوة، ولعل ما يدعم من هذا السيناريو وجود أربع دول تحظى بصفة شركاء مع المنظمة، وهي تركيا (منذ عام 2012)، مصر ،السعودية وقطر (2021)، وبمرور الوقت وبإنضاج الظروف ستتحول هذه الدول إلى أعضاء كاملة العضوية بالمنظمة، وهو ما سيكسب منطقة الشرق الأوسط ثقلًا كبيرًا داخل المنظمة بوجود خمس من دولها في عضويتها، هذا بالإضافة إلى علاقات الشراكة الاستراتيجية التي تربط الصين، التي تقف وراء تأسيس المنظمة، والدول المذكورة وهو الأمر الذي من المتوقع أن يساهم في تنمية العلاقات بين المنظمة وهذه الدول.
وفي الختام، فإن انضمام إيران كعضو دائم لمنظمة شنغهاي للتعاون يمثل تطورًا مهمًا للغاية، حيث يؤكد على بروز بكين وتنامي دورها في منطقة الشرق الأوسط بقوة، ويأتي أيضًا في إطار تحدي بكين لواشنطن في المنطقة، ولا يمكن لأحد التكهن بما سيكون عليه مستقبل منطقة الشرق الأوسط في ظل تواجد الصين الجديدة.. وربما تدفع تلك التطورات المنطقة كلها بل والعالم إلى الدخول في حرب باردة جديدة.