رأى

أهمية التوزيع العادل والمنصف للقاحات كوفيد 19

استمع الي المقالة

أحمد سلام

المستشار الإعلامي المصري الأسبق بالصين والخبير بالشأن الصيني

يُعد التوزيع العادل والمنصف للقاحات المضادة لفيروس كورونا في البلدان النامية عاملاً بالغ الأهمية في حماية الأرواح، وبناء رأس المال البشري، وتحفيز التعافي الصحي والاقتصادي، وقد ساهمت الأزمة الراهنة بشأن التوزيع غير العادل للقاح في تفاقم الأوضاع وزيادتها سوءًا في أنحاء العالم، وإذا لم تتوافر فرص الحصول على اللقاحات فإن الفجوة في وصول اللقاح إلى الدول النامية والفقيرة ستكون مرشحة للاتساع.
من هذا المنطلق، فقد حظي الاجتماع الأول لمنتدى التعاون الدولي بشأن لقاحات فيروس كورونا، والذي أقيم عبر الفيديو كونفرانس في أوائل أغسطس الجاري، باهتمام ومشاركة كبيرة، وهو الاجتماع الذي حمل عنوان “تعزيز التعاون الدولي بشأن اللقاحات وتعزيز توزيعها العادل والمعقول في العالم”، وحضره نحو ثلاثين من ممثلي المنظمات الدولية وشركات اللقاحات ووزراء الدول المعنية، وقد ترأس الاجتماع وانغ يي وزير الخارجية عضو مجلس الدولة الصيني، وشاركت مصر فيه بوفد رفيع المستوى برئاسة السيد وزير الخارجية سامح شكري، ويُعد هذا الاجتماع خطوة هامة وضرورية حيث أوضحت النوايا الحسنة التي تسعى الصين إليها في مجال توفير اللقاح ومحاربة كوفيد 19، إذ تعتزم الصين توفير نحو 2 مليار جرعة من لقاحات كورونا لدول العالم خلال الأربعة أشهر ونصف المتبقية من عام 2021، حسبما تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ في رسالة مكتوبة إلى الاجتماع الأول للمنتدى.
وقد شاركت مصر بإيجابية في أعمال المنتدى الدولي للتعاون بشأن اللقاحات، وأكدت على أهمية دعم ومساعدة الدول النامية في الحصول على اللقاحات، والالتزام بالتعاون في تحديث النظم الصحية للدول الأفريقية، والتحرك على المستوى الدولي لتوفير التمويل اللازم لتوفير اللقاحات للدول النامية، والتوزيع العادل لها. وهي المعاني التي أكدت عليها كلمة وزير الخارجية سامح شكري أمام المنتدى، حيث ثمّن تعاون الصين مع مصر في تصنيع لقاح «سينوفاك»، وأعرب عن تقدير مصر لتلك الخطوة، مؤكداً علي ضرورة حشد مزيد من الموارد لدعم النظم الصحية بأفريقيا، كونها واحدة من أكثر المناطق تضرراً، وطالب الدول المصنّعة للقاحات بتعزيز دعمها لفريق العمل الأفريقي لاقتناء اللقاحات، كما أكدت مصر على لسان وزير خارجيتها أن الفجوة في معدلات التطعيم بين الدول النامية والمتقدمة لاتزال تتسع، وأن الوباء لا يُعد أزمة صحية فحسب بل له كذلك آثار اجتماعية واقتصادية عميقة، خاصة على الدول متوسطة ومنخفضة الدخل.
وفي الوقت نفسه فقد أكدت مصر على “أهمية تأمين الدعم المالي الكافي والمستدام لمرفق COVAX لتسريع معدلات التطعيم في الدول النامية، بالإضافة إلى دعم القدرات التصنيعية المحلية للدول النامية لتوسيع قاعدة إنتاج اللقاحات للمساهمة في تخفيف الضغط على المصنعين الدوليين لتلبية الطلب العالمي المتزايد، والتنازل عن حقوق الملكية الفكرية لتحقيق هذا الهدف”، وأعربت عن تقديرها للدعم الذي قدمته الصين في هذا الصدد، والذي قُدر بـ 100 مليون دولار لمرفق كوفاكس.
ومنذ بداية تفشي الجائحة، تتعاون مصر مع الصين في مكافحتها، واتخذ هذا التعاون العديد من الملامح، ووصل في الوقت الراهن إلى التعاون بين البلدين في مجال تصنيع اللقاحات، وفي إطار هذا التعاون تستهدف الحكومة المصرية تصنيع نحو 80 مليون جرعة من لقاح «سينوفاك»، بنهاية عام 2021، داخل مصانع شركة «فاكسيرا»، وذلك بالتزامن مع إنشاء مصنع جديد للشركة، وبما يدعم اتجاه مصر لتصنيع اللقاحات والتطعيمات الثمانية الرئيسية المضادة لكورونا مستقبلاً، إضافة إلى سينوفاك.
وكانت مصر قد تسلمت من الصين في مايو 2021 الدفعة الأولى من المواد الخام لتصنيع لقاح سينوفاك في مصر، والتي تستهدف تصنيع 40 مليون جرعة من اللقاح سنوياً، كما تلقت تباعاً عدة شحنات من لقاح سينوفارم الصيني لتلقيح مواطنيه، وقد أعلنت مصر في أوائل يوليو الماضي عن إنتاج مليون جرعة من اللقاح المضاد لكورونا.
وفي إطار ما يسعى إليه الاجتماع الأول للمنتدى، فإن مصر ملتزمة بدعم احتياجات الدول الأفريقية في مواجهة كورونا وبالتعاون مع الصين، وقد سبق أن أرسلت مصر كمية كبيرة من المساعدات الطبية والأدوية لمواجهة الفيروس إلى عدة دول بالقارة، وتركز مصر في المرحلة المقبلة على تعزيز هذا التعاون عبر توفير اللقاحات، كما تؤكد الاتفاقيات بين مصر والدول الأفريقية على تسهيل وصول اللقاحات إلى مواطنيها، لوجود ثقة أفريقية في قدرات مصر التصنيعية، خاصة في ظل التعاون المصري الصيني في هذا المجال.
في ضوء ما تمثله تلك المنتديات من أهمية كبرى، فإنه من الأهمية بمكان طرح بعض المقترحات حول تعزيز وتفعيل بناء المنتدي الدولي للتعاون في مجال اللقاحات، ولاسيما فيما يتعلق بضرورة وضع بعض الآليات والمفاهيم الواضحة حتى تتمكن الدول المشاركة من تفعيل كافة التوصيات التي تخرج عن الاجتماعات، ومنها:
أولاً: ضرورة أن يكون هناك موعد محدد لعقد اجتماعات المنتدى، وإمكانية عقد اجتماعات طارئة وفقاً للظروف العالمية بشأن مرض كوفيد 19 وتحوراته.
ثانياً: العمل على تشجيع زيادة إنتاج اللقاحات في الدول التي تمتلك قدرات فنية وتكنولوجية لتغطية الطلب والوصول إلى آليات عادلة في التوزيع.
ثالثاً: ضرورة مساهمة الدول المشاركة في التغلب على العقبات اللوجيستية، من حيث تهيئة الجو المناسب للحفاظ على فاعلية اللقاحات،مساعدة الدول الفقيرة على تحسين البنية التحتية للتبريد والحفظ المناسب للقاحات، خاصة إذا كانت لا تحتاج إلى درجة تبريد فائقة.
رابعاً: بناء الثقة من خلال حملات التثقيف والتوعية ولتوضيح أن اللقاحات مهمة وأن ما ثبت نجاحه واعتماده من الجهات المعنية هو مفيد بالتأكيد.
خامساً: العمل على تعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين كافة دول العالم، ولاسيما فيما يتصل بالتعاون في مجال البحث الطبي خاصة في مجالات الوقاية ومكافحة كوفيد 19 وتطوراته.
سادساً: ضرورة تعاون وسائل الإعلام في كافة الدول خاصة الدول الأعضاء بالحزام والطريق، وأيضا من خلال منتدى التعاون الصيني – العربي والصيني – الأفريقي، والعمل على إبراز أوجه التعاون والتي منها المساعدات العاجلة التي قدمتها الصين إلى نحو 150 دولة و4 منظمات دولية، وإرسال أكثر من 26 فرقة من الخبراء الطبيين إلى 24 دولة ذات الاحتياجات الملحة، للقيام بالتواصل والإرشاد معها وجهاً لوجه أو من خلال الاتصال المرئي.
إن استقراء كلمات المشاركين في الاجتماع الأول لمنتدى التعاون الدولي بشأن لقاحات فيروس كورونا، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، وفي ضوء المعطيات الحالية، والوضع الصحي الراهن، أن كافة دول العالم لايزال أمامها الكثير للتخلص من جائحة كورونا وتبعاتها، وأن التعاون بين الدول سيسهم في السيطرة على الفيروس، وهو ما يتطلب أهمية نجدة المجتمعات الفقيرة المتضررة حتى الوصول إلى انحسار الوباء والقضاء عليه، وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه دون تسريع وتيرة وصول التطعيم لكافة دول العالم.
خلاصة القول، إن هزيمة جائحة «كورونا» لن تتم دون عدالة توزيع اللقاح التي تستوجب إتباع نهج عمل جماعي دولي قائم على العمل بروح الفريق الواحد من خلال تبني منظومة متكاملة لجميع الجوانب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى