اختبار PCR تنتجها “كاوست” بمكونات محليّة قيد التسويق
أشرف أبو عريف
منذ الأيام الأولى من جائحة كوفيد-19، أدرك البروفيسور سمير حمدان، أستاذ العلوم البيولوجية في كاوست، وزملاؤه في فريق الاستجابة البحثية السريعة، أن الاختناقات التشخيصية ستكون واحدة من أهم العقبات أمام مكافحة الفيروس.
وعلى الرغم من وجود العديد من اختبارات PCR متاحة تجارياً في الأسواق، إلا أن تكلفتها العالية وندرتها بسبب إغلاق المطارات وقيود الشحن، تركت مبادرات الصحة العامة في العديد من البلدان عرضة للخطر.
ولمعالجة هذه المشكلة المتوقعة بشكل شبه مؤكد، قرر البروفيسور حمدان وفريقه إنتاج المكونات الرئيسية لمجموعات اختبار RT-PCR محلياً. وبعد مرور عام، تم نشر مجموعة أدواتهم الداخلية ميدانياً لتوسيع نطاق قدرات الاختبار في عدة مدن سعودية.
ولقد جاءت مجموعة الاختبار التي طورها البروفيسور حمدان وفريقه، ثمرة سنوات من العمل الجاد في مختبرات كاوست قبل الوباء، حيث قاد د. حمدان مجموعة في قسم العلوم والهندسة البيولوجية والبيئية نجحت في إنشاء خط إنتاج قوي لبوليميراز حمض الدنا في مختبرها.
وأثبتت هذه الجهود مدى حيويتها بعد تفشي مرض كوفيد-19، عندما أصبح من الواضح أن العالم يواجه أزمة صحية عالمية غير مسبوقة، مع طلب متزايد بسرعة على المعدات والاختبارات الطبية.
تتطلب مجموعات الاختبار الأكثر شيوعاً نسخاً عكسية وبوليميراز حمض الدنا- كواشف كيميائية تعمل على تضخيم حمض الرنا الجينومي الفيروسي إلى مستويات يمكن اكتشافها. ومع ذلك، أدى ارتفاع الطلب العالمي على الاختبارات في العام 2020 إلى ضغوط كبيرة على المختبرات التي تنتج هذه الكواشف وغيرها من الإنزيمات المستخدمة في الاختبارات.
ولتكييف عملها مع الأزمة الجديدة، شرعت مجموعة حمدان سريعاً بتطوير كواشف لاختبارات فيروس سارس-كوف-2 لاستخدامها في المختبرات الطبية الحيوية والسريرية.
ونظراً لأن معظم المواد الكيميائية المستخدمة في مجموعات اختبار RT-PCR محمية ببراءات الاختراع، فقد كان التحدي الأول للباحثين هو تطوير طرق سهلة واقتصادية لإنتاج نسخ مصممة خصيصاً من هذه المواد الكيميائية، وغير محمية ببراءات اختراع. وبمجرد ضمان إمدادات ثابتة وواسعة النطاق من الكواشف غير المحمية ببراءات الاختراع، كانت الخطوة التالية هي تصميم مجموعة أدوات الكشف عن الفيروسات داخل مختبرات الجامعة. ومن ثمّ خضعت مجموعة اختبار RT-PCR التي طوّرتها كاوست لتجارب صارمة في البيئات المختبرية بالتعاون مع مختبرات من وزارة الصحة، ثم في مرافق الاختبار في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، وهيئة الصحة العامة السعودية. جاءت النتائج واعدة، إذ استطاعت المجموعة روتينياً أن تكتشف ما لا يقل عن 10 نسخ من تركيبات حمض رنا فيروس سارس-كوف-2. والأهم من ذلك، فقد نجحت المجموعة في اكتشاف كوفيد-19 في عينات سريرية لأحمال فيروسية واسعة ذات موثوقية وانتقائية مماثلة لتلك الخاصة بالمجموعات المعتمدة تجارياً. وفي غضون بضعة أشهر، حصل الأستاذ حمدان وفريقه، بالتعاون مع الهيئة العامّة للغذاء والدواء بالمملكة، على الموافقة التنظيمية من الهيئة العامة للغذاء والدواء.
وعلق البروفيسور سمير حمدان، الأستاذ المشارك في العلوم البيولوجية على هذا المنجز بقوله:
تتسم مجموعتنا لاختبار الفيروسات بأهمية خاصة كوننا نوفر من خلالها تفاصيل تصنيع غير محمية ببراءات اختراع.
والآن يتم نشر المجموعة لإجراء دراسة واسعة النطاق عليها بقيادة NoorDx، وهي شركة ناشئة للتشخيص مقرها كاوست، بالتعاون مع شركة تصنيع الأدوات العلمية الأمريكية Thermo Fisher، وهي شريك استراتيجي لمختبرات الجامعة الأساسية. لقد كان دعم هيئة الصحة العامة السعودية والهيئة السعودية للغذاء والدواء ووزارة الصحة عاملاً أساسيّا لشركات الأدوية المحلية التي أبدت اهتماماً بتسويق المجموعة.
أما الرئيس التنفيذي للهيئة العامّة للغذاء والدواء في المملكة البروفيسور هشام بن سعد الجضعي فعلق على هذا المنتج : “هيئتنا تدعم بقوة تطوير التكنولوجيا الحيوية المحلية والأجهزة الطبية المبتكرة، بما في ذلك أجهزة التشخيص المختبرية مثل مجموعة اختبار كوفيد-19 الجديدة التي طورتها المعامل ومراكز البحوث الوطنية. ويمتد دعمنا ليشمل جميع تطبيقات التكنولوجيا الحيوية المطورة محلياً وخارجياً، من خلال تقييم امتثالها لمتطلبات السلامة والكفاءة المعتمدة في الهيئة”.
ومن المأمول أن تستطيع مجموعة اختبار RT-PCR الاقتصادية، أحادية الخطوة ومتعددة الاستخدامات، أن تضفي مع الزمن طابعاً ديمقراطياً على عمليات التشخيص، وأن تساعد في جهود مكافحة انتشار كوفيد-19. إنّ سرعة تطورها ونشرها على مدار 12 شهراً أثبتت قدرات البحث والتطوير في كاوست، وفي عموم المملكة. كما إنّ المشروع يبشّر بالخير على صعيد التطوير المستقبلي للأجهزة الطبية المصممة والمصنعة محلياً، وغيرها من المنتجات؛ وهذا عنصر مهم في استراتيجية التحوّل الصحّي في المملكة، التي تشكّل جزءاً من رؤية 2030.