بقلم: مفيد الديك
إعلامى ودبلوماسي أميركي سابق
بعد ست جولات من المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، بمشاركة الدول الكبرى الخمس الأخرى في فيينا، وعدم تحديد موعد لجولة سابعة، بدأ القلقُ يدبُّ في فريق الرئيس جو بايدن من أن فرصة التوصل إلى اتفاق مع إيران يضمن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي للعام 2015 ويجمد قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي، على الأقل لفترة معينة، بدأت تنزلق سريعا.
إدارة بايدن حددت عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق قضية أولوية رئيسية لها في ملف السياسة الخارجية حتى أثناء الحملة الرئاسية، وسارعت إلى تعيين ممثل خاص لها لهذا الملف، الدبلوماسي والباحث الأميركي المخضرم روبرت مالي، بعد وصولها إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير الماضي. وهي كانت متفائلة جدا بأن اتفاقا مع إيران سيكون سهلا نسبيا، وهو ما سيحقق لها هدفا أساسيا يخدم مصالح الأمن القومي الأميركي – تجميد قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي يغير قواعد اللعبة في منطقة الخليج ربما للأبد.
ولكن الآمال في العودة السريعة للاتفاق بعد ست جولات من المفاوضات في فيينا بدأت في التضاؤل. أسباب القلق الذي يشعر به فريق إدارة بايدن تتلخص في أمرين أساسين: التقدم التكنولوجي الكبير الذي أحرزته إيران منذ انسحاب ترامب من هذا الاتفاق في العام 2018، وانتخاب رئيس جديد متشدد في إيران، مما يثير الشكوك حول ما إذا كانت الاتفاقية التي تم التوصل إليها في العام 2015 ستكون كافية لتقييد طموحات إيران النووية بعد الآن.
هذا الأسبوع قدمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مثالاً آخر على مدى التقدم الذي أحرزته إيران في السنوات الثلاث الماضية منذ انسحاب ترامب من الاتفاق. فقد كشفت الوكالة أن إيران خطت خطوات كبيرة لصنع صفائح وقود معدنية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20٪، وربما أعلى من ذلك، وهو أمر كان محظورا بموجب اتفاقها مع القوى العالمية في العام 2015 ويمثل خطوة مهمة لها نحو إنتاج قنبلة نووية.
ويقول الخبراء إنه كلما اكتسبت إيران المزيد من المعرفة النووية، خصوصا لناحية رفع درجة التخصيب وسرعة أجهزة تخصيب اليورانيوم لديها، كلما أصبح من الصعب ضمان أن يكون الاتفاق النووي القديم لا زال يمثل حصنا منيعا أمام تطوير إيران سلاحا نوويا، كما كان الحال حين تم توقيع الاتفاق الأساسي في العام 2015″. ويعتقد الخبراء النوويون أن إيران تعرض محادثات فيينا للخطر من خلال مواصلة الأنشطة النووية التي لا يمكن التراجع عنها بالكامل حتى لو تم التوصل إلى اتفاق جديد اليوم.
انتخاب رئيسي نكسة جديدة
إضافة إلى ذلك، مثّل انتخاب الرئيس الإيراني المتشدد نسبيا، إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران في حزيران/يونيو الماضي عقبة جديدة أمام التوصل إلى اتفاق جديد، ربما تجعل الأمر أكثر صعوبة: تتمثل الإستراتيجية الرئيسية للولايات المتحدة في مفاوضات فيينا في العودة إلى الاتفاقية القديمة، ثم التوصل إلى ما تسميه صفقة “أطول وأقوى” تعالج بواعث قلق أميركية جديدة مثل زيادة القيود المفروضة على برنامج إيران النووي، بعضها من المقرر أن تنتهي صلاحيته بحلول العام 2025. كما كانت واشنطن تعتزم فتح مفاوضات إضافية مع إيران، بعد التوصل إلى الاتفاق الحالي، للحد من برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودعم إيران للجماعات التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية في المنطقة. لكن رئيسي أكد أكثر من مرة أن حكومته، التي ستتولى السلطة في آب/أغسطس المقبل، لن تقبل الدخول في مثل هذه المناقشات، على أساس أن هذه قضايا سيادية بالنسبة إلى إيران. هذه نكسة كبيرة جديدة لفريق التفاوض الأميركي ومدعاة قلق جديدة ربما تفسر هذا التلكؤ الأميركي في العودة إلى المفاوضات.
وقت “الاختراق“ لإيران
لا شك أن إيران ستحصل على بعض الفوائد الواضحة من عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق العام 2015: إنهاء العديد من العقوبات التي كبّلت اقتصادها، قبل وأثناء جائحة كوفيد -19، فضلا عن رفع أشد القيود عليها، وهو الحظر الفعّال على البيع القانوني للنفط الإيراني في الخارج، الذي هو أكبر مصدر للإيرادات الخارجية لطهران.
دعونا نتذكر السؤال الأساسي التالي: كان الهدف المركزي لاتفاقية 2015 تقييد البرنامج النووي الإيراني بإحكام بما يكفي لأن تضطر إيران للعمل لعام كامل على الأقل لإنتاج قنبلة نووية إذا اختارت “الخروج” من الاتفاق. لكن إذا كانت إيران قد اكتسبت بالفعل القدرة على إنتاج قنبلة في غضون بضعة أشهر، وفي النهاية بضعة أسابيع كما يعتقد الخبراء النوويون الآن، فهل هناك أي جدوى من محاولة العودة إلى الصفقة الأصلية تحت هذه الظروف؟
ودعونا نتذكر أيضا أنه حتى مع إصرار القادة الإيرانيين على عدم وجود نية لديهم لإنتاج قنبلة نووية، فقد طردوا العديد من المفتشين الدوليين وهم يقومون بتطوير أجهزة طرد مركزي يمكنها تخصيب اليورانيوم بصورة أسرع 50 مرة من السابق. وبهذا تقلص وقت “الاختراق” النووي لإيران، أي الوقت الذي ستحتاجه إيران لإنتاج سلاح نووي، إلى “ربما بضعة أشهر”، وفقًا للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس.
وقال برايس للصحفيين في مؤتمره الأسبوع الماضي “ندرك أنه مع مرور الوقت سيكون للتقدم النووي الإيراني تأثير على وجهة النظر الداعية للعودة إلى اتفاق العام 2015. فقد كانت إحدى المزايا الرئيسية لذلك الاتفاق هي إطالة وقت الاختراق الإيراني هذا. وإذا بدأت هذه المزايا في الاختفاء، فسنضطر إلى إعادة تقييم ما وصلنا إليه في هذه العملية “.
يحاول فريق إدارة بايدن في المفاوضات مع طهران تقديم بعض التفكير الإبداعي لحل جزء من هذه المشاكل. يتمثل أحد هذه الأفكار في مطالبة إيران بتخزين أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدمًا لديها تحت ختم الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن يسمح الاتفاق باستخدامها في العام 2025 بموجب أحكام “انقضاء” الاتفاق. وهناك فكرة أخرى هي أن تقلل إيران عدد أجهزة الطرد المركزي لديها.
وقف تقدم إيران التكنولوجي قضية خاسرة
من الواضح أن حرمان إيران من التكنولوجيا اللازمة لصنع قنبلة نووية ربما أصبح قضية خاسرة. وقال راي تكيه، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية: “لقد أبحرت تلك السفينة – تمتلك إيران اليوم مواد تصلح لصنع الأسلحة النووية وأجهزة طرد مركزي متطورة من أجل ذلك الهدف. أي شخص يعتقد أن العودة إلى الاتفاقية السابقة من شأنه أن يعيد برنامج إيران النووي إلى المربع الأول هو شخص ليس لديه فهم دقيق لما يعنيه هذا المربع أصلا.”
ثم هناك أيضًا إدراك لدى كلا الجانبين أن أي اتفاق يتم التوصل إليه الآن يمكن أن يكون عابرًا بأي حال. فإذا فاز رئيس جمهوري بالبيت الأبيض في عام 2024، خصوصا إذا كان ذلك الجمهوري هو دونالد ترامب، فمن المحتمل أن يتم إلغاء الصفقة التي يتم التفاوض على إحيائها.
في الوقت الحالي، على الرغم من ذلك، ببساطة قد لا يكون هناك خيار آخر. لا يزال مسؤولو إدارة بايدن مصممين على عدم الالتزام بنهج ترامب المتمثل في الاستفزاز المكدس على الاستفزاز. إنهم يبحثون عن طريقة ما لتخفيف التوتر والعودة إلى اتفاق حظر انتشار الأسلحة النووية.
وما زال هؤلاء يجادلون بأن الاتفاق النووي القديم يظل قويا رغم كل عيوبه. وفقًا لأحد الأشخاص المطلعين على الموقف التفاوضي للفريق الأميركي، فإن العودة إلى الصفقة سيكون لها فوائد تتمثل في دعم نظام حظر انتشار الأسلحة النووية، بدءا بإيران – على الأقل في الوقت الحالي.