سلايدر

جيهان السادات .. حدوتة مصرية

استمع الي المقالة

بقلم .. عصام التيجي

بسهام الحديث عنه أصاب قلبها .. وبقوة شخصيته ووطنيته وثقافته كانت بداية حلمها .. صبية في الخامسة عشرة من عمرها حطمت مقاييس فتى الأحلام بين بنات جيلها .. ملامحها امتزجت بين الشرقية والغربية .. فالأب مصري والأم إنجليزية .. لكن قلبها وروحها بالهوى مصرية .

فتى الأحلام تجاوز الثلاثين من عمره .. بشرته من الوادي الخصيب تلونت .. وملامحه من الطين المصري تشكلت .. فالأب مصري والأم سودانية .. لايملك من حطام الدنيا غير زوجة وثلاثة أبناء بعد أن فقد وظيفته كضابط في القوات المسلحة عندما زجت به وطنيته خلف الأسوار الحديدية .

تعدى أسوار السجون هاربا . وخرج إلى الدنيا مشردا . بأسم مستعار متعايشا . الليل معاشه والنهار لباسه . لايملك سوى وطنيته وقصص وروايات أقاربه عنه وأصدقائه الذين آمنوا بقضيته .

من هنا بدأت أولى صفحات الحدوتة المصرية بين جيهان صفوت رؤوف ومحمد أنور السادات .

بين الفتاة الجميلة الأرستقراطية والرجل المشرد الذي لايملك قوت يومه .

*** جيهان ” الصبية ” .. وبداية الحدوتة المصرية .

ففي أجازة صيف مدرسية عام ١٩٤٨ ميلادية سافرت جيهان إلى عمتها في مدينة السويس مكافأة لها على تفوقها خلال سنواتها الدراسية . وهناك بدأت قصة الحب الحقيقية بل الخيالية وشرارتها الأولى أعمال السادات البطولية التي كان يحكيها زوج ابنة عمتها الضابط طيار ” حسن عزت ” الصديق المقرب للرئيس المنتظر . كانت تستمع له بشغف جم عن مشاعره الوطنية ونضاله وشخصيته الفريدة وقوة إيمانه بقضية بلده وعداوته للانجليز واشتراكه في قتل الوزير أمين باشا عثمان وزير المالية وقتها الذي كان مواليا لسلطات الاحتلال الإنجليزي . وكيف كان في سنوات محبسه شغوفا بالقراءة حريصا على اكتساب لغات جديدة غير العربية مثل الألمانية والفارسية .

سيطر أنور السادات المتهم بالقتل والهارب من السجن والمطرود من الجيش على خيال الصبية وهي في الخامسة عشرة من عمرها كفارس يحلق بها إلى آفاق أحلامها . إلى أن جاء أنور بشخصه إلى مدينة السويس لزيارة صديقه وهنا الصورة التي رسمتها له في خيالها أصبحت واقعا أمامها .

*** فارس الأحلام يشدو بأغاني الحب والهيام لفتاة الأحلام .

وعن قصة اللقاء الأول تقول جيهان : بعد خروجه من السجن وتوجهه إلى منزل حسن عزت لتناول السحور معه جلست اتابع هذا البطل .. كنت سعيدة به كثيرا .. تعرفت عليه عن قرب وتحدثت معه ودعوته لحضور حفل عيد ميلادي .

لم يكن الإعجاب من جانب جيهان فقط .. بل خطفت الفتاة الصغيرة قلب الزعيم .. فشدا لها يوم عيد ميلادها كلمات أغنية فريد الأطرش الشهيرة .

ياريتنى طير وأنا أطير حواليك

 مطرح ما تروح عيوني عليك

 ما اخلي غيري يقرب ليك

لكن ياريت عمرها ما كانت تعمر بيت .

 قائلًا لها وبمنتهى الصراحة هذه هديتي لك فلا أملك شيئا أقدمه في هذه المناسبة غيرها .

وتعددت اللقاءات بين السادات وجيهان لتتحول بذرة الحب إلى أغصان زيتون .

 لم يؤرقها فارق السن الكبير بينهما .. فقط ما جعلها تشعر بالخوف أنه متزوج ولديه أولاد قبل أن تعلم بانفصاله عن زوجته وهو في السجن . وقتها تنفست الفتاة الصغيرة الصعداء .

وهنا تغاضت جيهان عن فارق السن وربما المستوى الاجتماعي فاستمرت علاقتهما سرا حتى رأتها ابنة عمتها .

*** جيهان والسادات .. وبداية طريق الزواج وتحقيق الأحلام .

كان السادات يخشى الارتباط بجيهان بسبب الفقر والتزامه بمصرفات بناته ، إلا أنها أبدت تمسكا شديدا به ، حتى قرر السادات الذهاب إلى منزلها لخطبتها بصحبة صديقه وزوج ابنة عمتها الطيار حسن عزت الذى طلب من السادات أن يخبر أهلها بأنه لديه أملاك تؤهله أن يوفر لها حياة كريمة ، إلا أنه رفض .

كان والد جيهان رجلا متحضرا فوافق على زواجهما بعد علمه بحب ابنته لمحمد أنور السادات رغم معارضة والدتها بسبب ظروفه التي لاتتناسب مع ابنتها وكذلك لرأيه في ” ونستون تشرشل ” رئيس وزراء إنجلترا آنذاك عندما سألته عنه وقتها فأجاب السادات قائلا

” إنه لص سرق بلادنا ” وهو ما أثار غضب الأم الإنجليزية منه لذا احتاج الأمر وقتا طويلا حتى اقنعت جيهان والدتها بشخصية العريس المنتظر .

ولأن عمرها الصغير وقتها حال رسميا دون إتمام الزواج فتم الانتظار حتي صارت الصبية في سن السادسة عشرة.

 وفي ليلة التاسع والعشرين من شهر مايو عام ١٩٤٩ ميلادية كان حفل الزفاف لبطلي القصة الأسطورية التي تشبه الكلاسيكيات الرومانسية القديمة والتي من الصعب أن تراها على أرض الواقع فهى قصة ربما تقرأها في رواية خيالية او تشاهدها فيلما عبر الشاشة الفضية.

هذة بداية الحدوتة المصرية لسيدة أصبحت بعد ذلك بسنوات أولى السيدات في الجمهورية المصرية .

 ***  العراف ونبوءة السيدة الاولى

تزوجت جيهان البكباشي أنور السادات بعد براءته من كل الاتهامات وعاشت ظروفًا صعبة فى بداية زواجهما بسبب أزمته الاقتصادية القاسية والتي كانت بطلها الأول الالتزامات المادية تجاه بناته من زوجته السابقة لكنها كانت تخفى ذلك عن عائلتها فيجب أن تتحمل اختيارها لزوجها الذى كانت تعلم بظروفه قبل أن يتم الزواج .

وذات مرة قرر السادات أن يصطحب جيهان فى نزهة على النيل وأثناء وجودهما بأحد الكازينوهات يشربان الليمون مر عرّاف فطلبت من السادات أن يستقدمه ليقرأ لها الكف فوافق ودفع من أجل ذلك أخر ما تبقى معه من قروش .

 ” ستكونين السيدة رقم واحد في مصر، وستنجبين أربعة أطفال أغلبهم من البنات “

 كلمات فاجأها بها قارئ الكف قبيل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ م بيوم واحد وكأنه رأى مستقبل امرأة ستصبح ” سيدة مصر الأولى ” فيما بعد فسألته : ” هل سأكون الملكة ” ؟

  فأجاب : ” معرفش ” .

ضحكت وضحك السادات على ما قاله هذا العراف ولم يكن يعرف أن هذا المُنجّم رأى مستقبله فى كف زوجته .

 قامت الثورة فى اليوم التالى وقت وجودهما فى السينما وعند عودتهما إلى المنزل وجدت ورقة مدونًا عليها : ” المشروع يبدأ الليلة ” فتركها السادات وذهب إلى زملائه ليذيع نبأ سقوط عرش الملك وتمكين حركة الضباط الأحرار الذي صار عضوا فيها لإدارة شئون البلاد وبداية العهد الجديد وبناء الجمهورية المصرية .

مرت الأيام وانجبت جيهان ثلاث بنات ” لبنى ونهى وجيهان ” والابن الرابع ” جمال ” وتحققت نبوءة ” العرّاف “، فإذا بها ” السيدة الأولى ” في تاريخ الجمهورية المصرية بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر وتولي محمد أنور السادات حكم البلاد .

*** سيدة مصر الأولى .. مشوار الخير والعطاء

شاركت سيدة مصر الأولى زوجها الرئيس أنور السادات كل الأحداث المهمة التي شهدتها مصر بدءا من ثورة 23 يوليو وحتى اغتياله عام 1981 م . وكانت لها أدوار مهمة فى مصر ومشروعات لم تقم إلا على يد السيدة جيهان وعلى رأسها مشروع تنظيم الأسرة ودعم الدور السياسي للمرأة .

 كما عدلت بعض القوانين على رأسها قانون الأحوال الشخصية الذي لا يزال يعرف في مصر حتى الآن ” بقانون جيهان ” .. وأسست جمعية الوفاء والأمل .

وقفت إلى جانب أسر شهداء حرب السادس من أكتوبر ومصابي العمليات الحربية فاستحقت لقب ” أم الأبطال “

 وكانت من مشجعات تعليم المرأة وحصولها على حقوقها في المجتمع المصري في الفترة ما بين عام 1970 م إلى عام 1981 م .

    بالحب عرفت طريقها نحو السعادة بلا عناء

    وبالإيمان تحدت الصعاب لتنال ما تشاء

     وبالعزيمة تغلبت على سنوات الشقاء

       وبالأخلاص منحها الله حق العطاء .

سيدتي .. بالحب فعلتي الكثير و به وصلتي إلى أعلى مراتب التقدير .

        فهل الحب مرتبط بأزمان ؟

           أن كان كذلك فحقا إنك

  ” امرأة هذا الزمان .. بل سيدة كل الأزمان ” .

متعكِ الله بالصحة والعافية و شفاكِ الله وعفاكِ من أي مكروه .

دمتي لنا ملهمةً .. محبةً .. بالخير و الجود معطاءةً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى