الإساءة للرسول الكريم جريمة أخلاقية وقانونية
الإساءة للرسول الكريم جريمة أخلاقية وقانونية
د. المحجوب بنسعيد
تحتضن مدينة الرباط يوم 27 مايو الجاري أعمال مؤتمر دولي حول القيم الحضارية في السيرة النبوية، تحت شعار “نحو رؤية مستقبلية للسيرة النبوية”، تعقده الإيسيسكو بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي والرابطة المحمدية للعلماء ، تحت الرعاية الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، عاهل المملكة المغربية. وحسب بلاغ للإيسيسكو سيشارك في أعمال المؤتمر شخصيات رفيعة المستوى من العالم الإسلامي وخارجه، ومن مؤسسات ومنظمات دولية، وعلماء وأساتذة مختصون في السيرة النبوية وعلومها، وخبراء في الإعلام والتواصل وتحليل الخطاب، بالإضافة إلى أصحاب مبادرات إعلامية وثقافية ناجحة للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم. ويهدف المؤتمر إلى إعداد استراتيجية تواصلية للتعاطي مع الأبعاد الوظيفية للسيرة النبوية، وحصر الإشكالات الذاتية والموضوعية في التعامل معها، وتجميع وترتيب الجهود العلمية بمجال البحث في السيرة النبوية، وبناء رؤية متجددة بآفاق مستقبلية لها. كما يهدف إلى تمكين المنظمات والهيئات العاملة في مجالات التربية والثقافة والعلوم والاتصال من آليات وأدوات عمل منهجية في بناء مخططات عمل وخبرات في مجال التعريف بالسيرة النبوية. ويتضمن جدول أعمال المؤتمر أربعة محاور رئيسة، هي: السيرة النبوية والجهود العلمية، والسيرة النبوية والأبعاد الوظيفية، والسيرة النبوية والإشكالات المعاصرة، وشهادات عالمية حية في سيد الأنام ورسالته الخاتمة.
من الإشكالات المعاصرة التي يلزم تكثيف الجهود من أجلب التغلب عليها وايجاد الحلول المناسبة لها نذكر أمرين: الأول يتعلق بالإمعان في نشرالرسوم الكاريكاتورية عن محمد صلى الله عليه وسلم في بعض وسائل الإعلام الغربية بدعوى حرية التعبير، والثاني تقديم المعلومات المغلوطة والمشوهة عن شخصيته صلى الله عليه وسلم في عدد من المقررات والكتب المدرسية في الغرب .
ففي ما يتعلق بالأمر الأول نشير بايجاز إلى مساهمة بعض وسائل الإعلام الغربية في إشعال نار الفتنة الدينية من خلال نشر رسوم كاريكاتورية حول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كانت بدايتها مع جريدة “جيلا ندربوستن” الدانماركية في سنة 2005، ثم بعد ذلك تم إخراج أفلام مسيئة لشخصية الرسول الكريم أشهرها فيلمي “فتنة” و”براءة المسلمين”. و قامت حركة “أوقفوا أسلمة الدانمارك” بتنظيم معرض رسوم كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن ، كما أعلن اتحاد معلمي التربية الدينية في الدانمارك عن رغبته في إدراج الرسوم الساخرة عن المقدسات الدينية، ومنها الرسوم الكاريكاتورية عن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، في مناهج التعليم. وتواصلت هذه الإساءات من خلال المواظبة على إعادة نشر هذه الرسوم في جريدة شارلي إيبدو الفرنسية وما أثارته من ردود عنيفة تراوحت بين القتل والتصفية و التنديد السلمي والمطالبة بمقاطعة السلع الفرنسية . وأجمعت المؤسسات السياسية والثقافية والدينية في العالم الإسلامي على أن نشر الرسوم الكاريكاتورية هو تصرف عنصري غير أخلاقي يراد منه استفزاز مشاعر المسلمين، ولا يسهم في تعزيز الجهود الدولية المبذولة من أجل نشر قيم الحوار بين الثقافات ، واحترام التنوع الثقافي والأديان والتعايش بين أتباعها، بل يشجع على الكراهية والعنصرية .
وأكدت منظمات حقوقية أسلامية ودولية على أن نشر الرسوم الكاريكاتورية عن الرسول الكريم في عدد من الصحف الأوروبية يعد من أبرز النماذج التي تجسد خرقا سافرا للقانون الدولي في مجال الإعلام ولمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللاتفاقيات والقرارات المتفرعة عنه. كما أكد كثير من فقهاء القانون على أن هذه الرسوم تعد تحريضا صريحا على كراهية الإسلام والمسلمين، ولا تتوافق البتة مع مبدإ حرية التعبير، بل إنها تندرج ضمن الأفعال المجرمة في قانون العقوبات.
أما الأمر الثاني فيتعلق بصورة الرسول الكريم في عدد من الكتب والمقررات الدراسة الغربية حيث تقدمه في صور متعددة ، فهو إما «رسول شاعر ملهم يرى رؤيا خارقة»، أو «شخصية مستبدة برأيها»، أو «فقيرا معدما لم يشعر بالأمن إلا بعد زواجه من سيدة ثرية جدا تكبره بكثير».كما تدعي بعض هذه الكتب المدرسية أن الرسول الكريم قد «التقى باليهود والنصارى وخاصة الأحبار والرهبان فتعلم منهم وأخذ الكثير من المعلومات من التوراة والإنجيل وأدخلها في كتاب القرآن». وتزعم أن رسولنا الكريم «رأى رؤيا جعلته يعمل بالتبشير بالرب الواحد، ولما أخرج من مكة ظل مشغولا باسترجاعها فلجأ إلى العنف والجهاد وتمكن بفضل فئة في قيادة الجماعات إلى توحيد الضالين الذين زرع فيهم روح التعصب ووعدهم بالجنة إذا ماتوا في سبيل الحرب المقدسة أي الجهاد». ومما لا شك فيه أن الطالب الغربي غير المسلم سيختزن في ذاكرته صورة سلبية عن رسولنا الكريم الذي قدم إلى هذا الطالب بنعوت وأوصاف يتمتزج فيها الاستبداد بالسحر والعنف والجهاد والتعصب والدهاء. كما أن هذا الطالب الذي يقرأ ما كتبه أحد القساوسة في القرن الثاني عشر عن القرآن الكريم لن يتذكر السياق التاريخي الذي كتب فيه هذا الكلام حيث كان المسيحيون يعتبرون رسولنا الكريم أكبر عدو للكنيسة الكاثولوكية، وإنما سيظل عالقا بذهنه أن دين الإسلام “هستيريا ووثنية” وأن القرآن الكريم “سم قاتل”.
ومما يثير الدهشة أن المقررات والكتب المدرسية في أوربا حين تتحدث عن انتشار المسيحية وحياة المسيح تقدمها وكأنها وقائع تاريخية ثابتة لا تقبل التأويل وذلك باستخدام صبغة التأكيد وعرضها بالصورة الملونة والخرائط والرسوم. بينما تستخدم صيغة فعل الشك (conditionnel) حين تتحدث عن رسولنا الكريم، وأحيانا أخرى يتم استخدام تعبيرات تدعو للشك والتساؤل مثل “يبدو أن” أو “قد يكون” أو “حسب ادعائه”. ولا يخفى أن الهدف من وراء ذلك هو زرع الشك والبلبة في نفوس الطلبة حول مصداقية رسولنا الكريم ، كما لا تخفى الدوافع والمرامي التي جعلت دولة أوربية، مثل فرنسا، بلد حقوق الإنسان والحرية والعدالة، لا تزال في القرن الحادي والعشرين تدرس لأبنائها في المدارس الحكومية أن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام هو الذي ألف القرآن، وأنه ارتكز في دعوته على مجرد رؤيا وأحلام، وهي اقتراحات تتنافى مع معتقدات المسلمين ومنهم طلاب فرنسيون مسلمون يتلقون هذه المعلومات الخاطئة. وهو اعتداء شنيع على معتقداتهم الدينية التي يتم تشويهها علنا ورسميا في كتب التاريخ المدرسية. فأين حقوق الإنسان المسلم الفرنسي أو الأوربي؟ وأين احترام عقيدته وكتابه المقدس ونبيه المرسل؟
وبالرغم من انتشار ظاهرة تشويه صورة الإسلام ورموزه المقدسة في الكتب والمقررات المدرسية في الغرب ، فإن ذلك لم يمنع من ظهور مبادرات سياسية وأكاديمية سعت لدراسة الظاهرة والحد من آثارها السيئة وكشف تناقضها وتعارضها مع الممارسات والشعارات المنادية باحترام حقوق الإنسان واحترام التنوع الثقافي وتشجيع التسامح بين الأديان السماوية وتفعيل الحوار بين شعوب العالم. ومن بين تلك المبادرات الجادة والهامة على الصعيد الأوربي ، نذكر ما قام به مجلس أوربا منذ العقد الأخير من القرن العشرين حيث أولى اهتماما خاصا بقضية توحيد المناهج الدراسية لمادة التاريخ في دول الاتحاد الأوربي، كما اهتم بوجه خاص بتنقية تلك المناهج والكتب والمقررات المدرسية الأوربية من القوالب النمطية السلبية والشوائب التي تسيء إلى كل من المسلمين واليهود .
إن الأمل معقود اليوم على رابطة العالم الإسلامي في تنسيق الجهود وتفعيل التواصل والتعاون مع الجهات والمؤسسات المعنية بالتربية والتعليم في الدول الإسلامية وفي الدول الغربية من أجل العمل على مراجعة المقررات الدراسية وتنقيتها من المضامين التي تشوه الأديان وتسيء لرموزها وتحرف الحقائق التاريخية والثقافية للحضارات والثقافات ، وتقدم معلومات خاطئة عن رسولنا الكريم . فالرابطة بقيادة أمينها العام معالي الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى مؤهلة اليوم للقيام بهذه المهمة الحضارية لأنها تتوفر على وثيقة مرجعية من الأهمية بمكان هي وثيقة مكة المكرمة التي جاءت لتعزز المبادرات الإسلامية لمعالجة ظاهرة الخوف من الإسلام حيث أعطتها دفعة قوية وحددت لها آفاقا جديدة ، ورسمت خارطة طريق لمقاربة جديدة تتسم بالانتقال من مرحلة التصدي لخطاب الكراهية والتخويف من الإسلام والإساءة إلى الدين الإسلامي ومقدساته من موقع دفاعي إلى تبني استراتيجية شاملة ومندمجة تقطع مع سياسة ردود الأفعال الآنية ، وتستند إلى رؤية موضوعية لدور التعريف بالثقافة والحضارة الإسلامية ،و تعزيز علاقات الشراكة والتعاون مع المؤسسات الإعلامية والجمعيات المهنية للإعلاميين خارج العالم الإسلامي ، والمساهمة في حماية الحقوق المدنية والثقافية للجاليات المسلمة في العالم ، ومؤازرتهم من خلال تعزيز التشاور والتنسيق مع جمعيات المجتمع المدني الدولية المهتمة بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات ونبذ التمييز العنصري والكراهية والإساءة للأديان.
كما تتوفرالإيسيسكو على وثائق مرجعية واستراتيجية عمل اعتمدتها أجهزتها الدستورية ومؤتمراتها الوزارية لوزراء الثقافة في العالم الإسلامي منذ مطلع الألفية الثالثة تتضمن إجراءات في المجالات التربوية والثقافية والإعلامية لتصحيح المعلومات الخاطئة عن الإسلام ورموزه ومقدساته وحضارته من المهم أخذها بعين الاعتبار في الإعلان والتوصيات التنفيذية التي ستصدر عن المؤتمر الدولي حول القيم الحضارية في السيرة النبوية، ويتم لاحقا تعميمها بعدد من اللغات على جميع المنظمات الدولية والمؤسسات والهيئات المختصة في الثقافة والحوار الحضاري.