قراءة في موقف الإدارة الأمريكية من تقرير “هيومن ووتش”
بقلم: أحمد طه الغندور
أثار التقرير العالمي لأوضاع حقوق الإنسان للعام 2021، الصادر عن منظمة مراقبة حقوق الإنسان أو كما تُعرف بِاسم “هيومن رايتس ووتش”، وخاصة ما يتعلق بممارسات “الاحتلال الإسرائيلي” تجاه الفلسطينيين؛ الكثير من الدهشة والاستغراب في أمريكا وعدد أخر من العواصم العالمية منذ صدوره في 27 إبريل / نيسان الماضي!
إذ وصف ” التقرير ” الصادر في 187 صفحة، والذي جاء بعنوان “تجاوَزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد”، في معاملة “إسرائيل” للفلسطينيين.
يعرض التقرير كما في النص؛ الواقع الحالي، إذ توجد سلطة واحدة – الحكومة الإسرائيلية – هي الجهة الرئيسية التي تحكم المنطقة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، حيث تسكن مجموعتان متساويتان في الحجم تقريبا. تمنح هذه السلطة بشكل ممنهج امتيازات لـ “اليهود الإسرائيليين” بينما تقمع الفلسطينيين، ويمارَس هذا القمع بشكله الأشدّ في الأراضي المحتلة.
وتأتي الدهشة من خطورة الاتهام، والجرائم التي ترتكبها “السلطات الإسرائيلية” في فلسطين؛ إذ تدخل هذه الجرائم في إطار “الجرائم الدولية” التي تعتبر من اختصاص محكمة الجنايات الدولية وفق ميثاق روما للعام 1998 وتعديلاته.
كما تأتي الدهشة من حقيقة أن “الإدارات الأمريكية” المتعاقبة لطالما لجأت إلى تقرير منظمة “هيومن ووتش” لإدانة تصرفات الدول الأخرى ضمن سياسات الداخلية أو في نزاعاتها الدولية، وكثيراً ما تبني التقارير الصادرة عن “وزارة الخارجية” على تقارير “المنظمة”!
ولكن أمام هذه “الدهشة” الغير مبررة لدى “الإدارة الأمريكية” الحالية؛ نجد أنها أعلنت يوم الأربعاء الماضي، عدم موافقتها على نتيجة تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” غير الحكوميّة، الذي اتّهم “إسرائيل” باتّباع سياسة “فصل عنصري” بحقّ الفلسطينيّين.
وقال متحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة، إنّ “هذه الإدارة لا تعتقد أنّ أفعال “إسرائيل” تُشكّل فصلًا عنصريًا”.
وما يبرر قولي بأن هذه “الدهشة” غير مبررة، فذلك يرجع إلى ما أشرت إليه سابقاً من أن تقارير هذه “المنظمة” طالما كانت سلاحاً لـ “أمريكا” ضد أعدائها أو منافسيها!
أو ربما جاء هذا “التبرير” لأن التقرير ألقى باللوم في “الممارسات الاحتلالية” على “الولايات المتحدة” في إشارة إلى “صفقة ترامب”؛ حيث أشار: ” قدمت الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني خطة تدعي تقديم حل مبني على الدولتين، لكنها تنطوي على هيمنة إسرائيلية دائمة على مساحات شاسعة من الضفة الغربية والضم الرسمي للمستوطنات، وغور الأردن، وأجزاء أخرى من المنطقة ج، مع وضع شروط من شأنها أن تجعل قيام دولة فلسطينية مستحيلا”.
وأضاف التقرير؛ “في يونيو/حزيران، أثار أعضاء في “الكونغرس” الأمريكي مخاوف بشأن الضم في رسائل إلى رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو”.
وهنا نلاحظ بأن التقرير استخدم مصطلح “الولايات المتحدة” في اختيار موفق للتعبير على “توارث المسؤولية للدول”؛ فالإدارة الحالية تتحمل بالمسؤولية القانونية والأخلاقية عن تصرفات “إدارة ترامب” التي أعلنت عن “الضم الغير قانوني” للقدس، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وعن تشجيعها الغير مسبوق للاستيطان في القدس وسائر أنحاء الأراضي المحتلة.
وهنا ربما علينا التذكير بأن “خطة ترامب” قد جُوبهت بالرفض من العديد من دول العالم، وخاصة الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى المنظمات الدولية، مما شجع محكمة الجنايات الدولية على الإعلان عن عزمها التحقيق في قيام جرائم من الاحتلال في فلسطين المحتلة!
ومما لا شك فيه أن “إدارة بايدن” تعلم على وجه اليقين، بأنها إذا لم تقم بإلغاء “الخطوات الغير قانونية” التي قامت بها “الإدارة السابقة” فهذا يعني أنها تُقر بها، وأنها تتحمل نفس المسؤولية القانونية عنها!
في الختام، لا بد لنا من التساؤل!
• هل كان صدور التقرير بإيعاز أو بموافقة ضمنية من “إدارة بايدن” ضد “سلطة ناتنياهو” المتفلتة من العقال الأمريكي؟!
• وهل الإشارة إلى لوم “الولايات المتحدة” في التقرير، يُعلن عن بداية حقيقة لتدخل “إدارة بايدن” في النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي؟
• وهل يحمل هذا “التدخل” إلغاء لكل “جرائم” الإدارة السابقة؟ وهل ستكون هناك عقوبات على “التطرف الصهيوني”؟
لا شك أن الشهور القليلة القادمة ستحمل الإجابة الشافية للأسئلة المطروحة، وذلك لسبب بسيط!
أن التعقيد في ” المشهد ” الفلسطيني يعني الكثير من التعقيد في المشهد العالمي بفعل العنجهية الإسرائيلية؛ وهذا ما لا يمكن القبول أمريكياً أو دولياً!