بقلم: مفيد الديك
الإعلامى المخضرم.. والدبلوماسى الأمريكى البارز
لا أعتقد أننا بحاجة لانتظار المزيد من الوقت أو التحقيقبات للتأكد من الجهة التي تقف وراء الهجوم الذي نُفذ ضد منشأة إيران النووية الرئيسية في نطنز حتى نتبين من يقف وراء ذلك الهجوم. لا زالت التفاصيل شحيحة عما حدث في وقت مبكر من يوم الأحد في تلك المنشأة التي يُفترض أنها محصنة جدا تحت الأرض والتي تجري فيها إيران غالبية أعمال تخصيب اليورانيوم لبرنامجها النووي. تم وصف الحدث في البداية فقط على أنه انقطاع في إمدادات الشبكة الكهربائية التي تغذي ورش العمل فوق الأرض وقاعات التخصيب تحت الأرض في المنشأة – لكن المسؤولين الإيرانيين بدأوا في وقت لاحق يشيرون إليه على أنه هجوم. وقد يكون هجوما سيبرانيا وربما كان هجوما بتفجير أو من خلال عميل داخلي وفق ما شرح مسؤولون إيرانيون. لا أحد يعرف!! ولكننا نعرف تماما أن هذا الهجوم، وهجمات إسرائيل السابقة على إيران ومصالحها كثر، يمكن أن يُعقدٌ مفاوضات إيران مع واشنطن لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الإيراني.
قال قائد سابق للحرس الثوري الإيراني إن الهجوم أشعل حريقا بالموقع ودعا إلى تحسين الوضع الأمني. وقال اللواء محسن رضائي في تغريدة إن الهجوم الثاني على نطنز خلال عام يشير إلى “خطورة ظاهرة الاختراق” الإسرائيلي للأعماق الإيرانية. كلام في الصميم من رضائي! برافو!!
صحيح أن إسرائيل اتهمت إيران بتوجيه ضربة لسفينة شحن إسرائيلية قبالة سواحل دول الإمارات العربية المتحدة الثلاثاء، أي بعد يومين من هججوم نطنز. ولكن أتباع وأنصار إيران في المنطقة يتساءلون منذ فترة طويلة عن الرد الإيراني على الهجمات الإسرائيلية المتواصلة – والمحرجة والموجعة جدا – على المصالح الأمنية الإيرانية، ويقولون إن بيانات إيران المعلبة المعهودة بأن طهران “سترد في المكان والزمان المناسبين” لم يعد مقنعا ولا مناسبا للكثيرين من هؤلاء. إسرائيل تضع إيران يوميا تقريبا في مواقف محرجة، بين المطرقة والسندان!
هناك حرب خفية بين إسرائيل وإيران، مع أن إيران هي المبادرة فيها، والأكثر وإيلاما، وإيران هي التي تتلقى الضربات فقط، تقريبا. ففيروس الكمبيوتر “ستاكنت”، الذي تم اكتشافه في العام 2010 في المنشأة نفسها ويعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل كانت لديها يد فيه، عطل ودمر أجهزة الطرد المركزي الإيرانية هناك. وفي تموز/يوليو الماضي، تعرضت منشأة نطنز نفسها لانفجار غامض في مرفق تجميع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة فيها، الذي وصفته السلطات لاحقًا بأنه عمل تخريبي، ووجهت أصابع الاتهام فيه لإسرائيل. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، وجهت إيران اتهاما مباشرا آخر لإسرائيل عن اغتيال عالمها البارز الذي بدأ البرنامج النووي العسكري للبلاد قبل عقود، محسن فخري زاده. وشنت إسرائيل أيضا سلسلة من الضربات الجوية على الأراضي السورية التي استهدفت القوات الإيرانية ومعداتها وكبار قادتها. كما يشتبه في قيام إسرائيل بهجوم الأسبوع الماضي على سفينة شحن إيرانية قيل إنها تعمل كقاعدة عائمة لقوات الحرس الثوري الإيراني شبه العسكرية قبالة سواحل اليمن.
واضح تماما من هي الجهة التي تقف خلف كل هذه الهجمات المتلاحقة ضد إيران ومواردها العسكرية، المادية منها والبشرية. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يخفي أن إسرائيل، وبدون مواربة، هي التي تقوم بكل هذه الأعمال، بل هو يتفاخر بذلك كل يوم تقريبا.
نوايا نتنياهو!
أولا، هو يريد أن يدمر مشروع إيران النووي العسكري، وربما حتى المدني. هذا هو هدف استراتيجي طويل الأمد لمصلحة الأمن القومي الإسرائيلي. مثل هذا الهدف ليس غريبا على إسرائيل، ولا جديدا عليها. فقد طاردت وصفٌت العديد من الخبراء النوويين العرب في سبعينات القرن الماضي، ودمرت أهم مرفق نووي عراقي في مطلع ثمانيات القرن الماضي. المسوغ الأساسي لذلك هو أن لا تتشارك أي دولة عربية أو إسلامية ليست صديقة إسرائيل سيطرتها الكاملة على ميدان مسألة السلاح النووي، أي أن تظل إسرائيل القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط.
ثانيا، هو يريد أن يخرب جهود إيران والولايات المتحدة لمعاودة انضمام الأخيرة إلى الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الخمس زائد واحد. واضح تماما أن إسرائيل لا تريد عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الإيراني بهدف وضع قيود تحول دون إنجاز المشروع النووي الإيراني أو وأده في محله، بل تريد أن تنضم الولايات المتحدة إليها لتدمير هذا البرنامج من أساسه، ودون رفع العقوبات الأميركية والدولية على إيران، التي تؤدي إلى تقوية إيران. وهي تظهر لأميركا أن هناك طرقا ليست بالصعبة جدا لتحقيق هذا الهدف. نتنياهو بذل كل جهد ممكن في العامين 2014 و2015 للحيلولة دون توقيع ذلك الاتفاق بين إدارة أوباما وإيران والدول الخمس الأخرى في النصف الثاني من العام 2015. ولكنه فشل وهو سيحاول الكرة مع بايدن.
ثالثا، يريد نتنياهو أن يُظهر لحلفائه الجدد في الإقليم، ولإدارة بايدن أيضا، أن ليس هناك شيئا يمنعه من القيام بكل ما يستطيعه لتخريب المشروع النووي الإيراني، وذلك رغم معرفته بأن إدارة بايدن عازمة على العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران وتعتبر ذلك مصلحة قومية أميركية. هو يريد أن يقال عنه إنه يتحدى مصالح أميركا القومية إذا كان ذلك يخدم مصالح إسرائيل القومية. تذكروا أن تنفيذ الهجوم الإسرائيلي الأخير على منشأة نطنز جاء في نفس اليوم الذي التقى فيه نتنياهو مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الذي يزور إسرائيل لأول مرة منذ توليه منصبه منذ حوالي شهرين! هذا ليس صدفة أبدا!
رابعا، يريد نتنياهو أن يخرج من وضعه المأزوم وأن “يغير العناوين” في إسرائيل، أي أن يغير تركيز الأخبار عن فشله وللمرة الرابعة في الحصول على ما يكفي من أعضاء الكنيست لتشكيل حكومة يمينية في إسرائيل، فضلا عن حرف الأنظار أيضا عن متاعبه القانونية التي قد تؤدي به إلى السجن. هذا يجب أن لا يكون غريبا، فمجال السياسة الخارجية هو ما يسارع إلى اللجوء إليه الزعماء في الدول الديمقراطية حين تتأزم أوضاعهم داخليا.
ختاما، اعتقادي أن إدارة بايدن وبقية الدول الغربية – حتى من دون أن تنطق واشنطن بكلمة واحدة حيال الهجوم على نطنز – غير راضية عن المسلك الإسرائيلي المكشوف الهدف هذا بالنسبة إلى هذه الدول. وتقديري هو أن إدارة بايدن ستوجه رسائل قوية لإسرائيل، على الأرجح في المجالس الخاصة، بأن مثل هذه العمليات “غير مرحب بها”، ولكنني لا أعتقد أن هذا سيظهر إلى العلن لأسباب عديدة. وتقديري أيضا أن إدارة بايدن ستحث إيران، وكذلك الأمر عبر قنوات خاصة، على أن أي رد كبير على هذه التحرشات الإسرائيلية قد يعقد مفاوضاتها مع واشنطن، وبالتالي يعود عليها سلبيا في المحصلة النهائية. باختصار شديد، إيران “ظهرها بالحيط” ونتنياهو يدرك ذلك جيدا ويستغله ضدها أبشع استغلال. الكرة، بصراحة متناهية، في الملعب الإيراني.