بقلم: د. سيريل نون
سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية بالقاهرة
قلة قليلة فقط من بلدان العالم تمتلك جاذبية ثقافية عالمية طويلة الأمد مثل التي تحظى بها مصر. على مدار آلاف السنين، ألهم التراث الثقافي لمصر المجتمعات والحكام في جميع أنحاء العالم، خاصة تاريخها القديم الفريد الذي ترك بصمات مؤثرة وأثار مناقشات أكاديمية حارة، سواء حول التنظيم الاجتماعي المتقدم في مصر القديمة أو جمالياتها الساحرة. وحتى اليوم، لم تتوقف العاصمة الأثرية المصرية المثيرة للإعجاب عن جذب الاهتمام العالمي. تغطي وسائل الإعلام الدولية، بما في ذلك محطات التلفزيون الألماني ووسائل الإعلام المطبوعة، وبانتظام الاكتشافات الأثرية واسعة النطاق وافتتاح المتاحف في مصر.
وعند إنعام النظر في التعاون الأثري المصري الألماني، وجدنا تنوعًا مثيرًا للإعجاب والاهتمام على مر السنين. فإلى جانب الحفريات الأثرية المشتركة الناجحة التي تمتد من جنوب مصر إلى شمالها، استكشف علماء الآثار الألمان والمصريون العديد من مجالات التعاون الإضافية بينهم، بدءًا من البحث والأرشفة إلى الرقمنة والحفظ. أيضا، يساهم المعهد الألماني للآثار بالقاهرة وغيره من المعاهد والجامعات الألمانية بصورة نشطة في تعاون أثري يتميز بمزيد من التنوع بفضل برامج التبادل والتمويل والمكتبات والتدريب.
لعل نقل المعرفة المتبادل بين علماءنا الأثريين هو أحد النماذج الأساسية التي تجسد التعاون الأثري المتنوع بين بلدينا. فبفضل هذا النهج، تنجح المشاريع الألمانية المصرية في تحقيق نتائج قطعية ليست متاحة فقط للمجتمع الأكاديمي الدولي، ولكن أيضًا للجمهور المصري والدولي الأوسع، نظرًا لأنها تستند إلى مفاهيم محلية متجذرة تتعلق بإدارة مواقع الاكتشافات الأثرية وتوثيقها عبر شبكة الإنترنت. ويعد العمل المشترك في الأهرامات بمنطقة دهشور مثالاً ملموسًا لهذا النهج. ففي هذا المشروع، يقوم علماء الآثار من كلا البلدين بفحص مدافن مسؤولي البلاط وكهنة الجنائز، وأيضًا المساكن وأماكن العمل التي تم استخدامها أثناء بناء الأهرامات، لمعرفة المزيد عن مسؤولي البلاط وسكان مدن الأهرامات، وظروف معيشتهم وحالتهم الصحية وكذلك تنظيم الحياة والعمل في الجبانات الملكية القديمة.
التعاون الأثري المتبادل يحظى بأهمية بالنسبة لألمانيا، إذ أنه لا يساعد فرق البحث الألمانية المصرية على تحقيق نتائج أكاديمية أكثر شمولاً فحسب، بل يعاونهم كذلك في الاستفادة من مهارات بعضهم البعض. يعتبر نقل المعرفة المتبادل أكثر أهمية في مجال دراسة دولي ومتعدد التخصصات مثل علم الآثار. ولذلك، فنحن، متحلين بروح مفعمة بالتعاون، سنواصل العمل معًا وبشكل وثيق من أجل تحقيق نجاح أكاديمي باهر.