ترامب سيواصل ابتزاز زعماء العرب حتى بعد خروجه المهين من البيت الأبيض يناير
مفيد الديك
اعلامى ودبلوماسى أمريكى سابق
انتهت الانتخابات الأميركية قبل ما يقرب من سبعة أسابيع، وهزم دونالد ترامب هزيمة نكراء أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن. خسر ترامب بما يزيد عن 7 ملايين صوت شعبي أمام بايدن (81 مليونا مقابل 74) وخسر أمامه في أصوات المجمع الانتخابي (electoral college) بـ 74 صوتا من أصل الـ 538 صوتا هم عدد مندوبي المجمع الانتخابي (306 مقابل 232). وصوت أعضاء المجمع الانتخابي في بداية الأسبوع لصالح بايدن تماما حسب نتائج التصويت الشعبي كل في ولايته، ولم يحاول أي منهم، حتى أولئك الذين جاؤوا من ولايات محسوبة على الجمهوريين. القانون هو القانون رغم أنف ترامب. كان ذلك التصويت الروتيني عادة الذي جرى يوم الإثنين الماضي، 14 الجاري، بمثابة الاعتراف الرسمي بنتائج الانتخابات الأميركية التي نعرفها منذ 7 الشهر الماضي.
بعد سبعة أسابيع من الانتخابات بدأ القادة السياسيون الجمهوريون الأميركيون يهاتفون بايدن ويهنئونه على نجاحه في الانتخابات، وفي مقدمهم رئيس مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش مكونيل، وهو حليف قوي جدا لترامب، الذي خاطب بايدن لأول مرة بالرئيس المنتخب. زعماء العالم كله أيضا هنأوا بايدن واعترفوا به رئيسا منتخبا وبدأوا ينسجون العلاقات معه ومع إدارته الجديد، حتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان من أكثر زعماء العالم انزعاجا لخسارة ترامب الانتخابات. ربما الزعيم الدولي الوحيد الذي لم يعترف ببايدن ولم يهنئه هو رئيس البرازيل، وهو زعيم شعبوي يميني ومنعزل عن العالم، تماما كترامب، مع أن لا أحد في العالم كله يشبه ترامب في صلفه وعنجهيته وبلطجيته وكذبه وتدليسه وتحايله و”كلاحته” وانسلاخه عن الواقع.
الأزمات التي تواجه الولايات المتحدة تزداد شدة يوما بعد يوم بسبب غياب القيادة في البيت الأبيض وبسبب عدم وجود السياسات التي كان يُفترض أن يضعها ترامب لمواجهتها. وباء كورونا لا زال يحصد أرواح أكثر من 3,000 أميركي يوميا، والإصابات تصل إلى حدود الـ 300,000 يوميا، وهذا الرجل لا يطلق كلمة واحدة عن ذلك. كل ما يقوم به أحيانا هو محاولة أن ينسب إلى نفسه فضل توصل شركتين أميركيتين، فايزر وموديرنا، إلى لقاحين فعالين لكورونا خلال الأسبوعين الماضيين. ولكن هاتين الشركتين حرمتاه من ذلك، فهما ربما أخرتا الإعلان عن انتهاء تجاربهما السريرية على اللقاحين إلى ما بعد الانتخابات حتى يحرماه من لذة الادعاء أن جهود إدارته هي التي أدت إلى التوصل إلى هين اللقاحين.
اقتصاديا، واصل الاقتصاد الأميركي انزلاقه السريع نحو الهاوية بسبب كورونا وأعداد العاطلين عن العمل والجوعى والمشردين في أميركا تزداد بصورة غير مسبوقة. ومع ذلك أيضا لم يحرك هذا الشخص ساكنا لمواجهة هذا الموقف. يا للبجاحة! هذا الشخص الذي يطالب بفترة رئاسية ثانية لا يقوم بأي من واجباته الرئاسية في فترته الأولى. الكثير من الأميركيين يطالبون بأن يتم إخراجه من البيت الأبيض عنوة فورا لأنه تخلى عن واجباته الرئاسية. رأيي أنه تخلى عن هذه الواجبات من أول أيام إدارته في مطلع العام 2017.
وعلى الصعيد الأمني، الروس قاموا بأكبر عملية تجسس إلكتروني على الولايات المتحدة في التاريخ مؤخرا، طالت العديد من الوزارات والوكالات الأميركية بما فيها وزارة الأمن القومي التي يفترض أن تكون الوزارة التي تحمي أمن الأميركيين ومؤسساتهم وأعمالهم. وزير الأمن القومي لترامب غير موجود وكبير مسؤولي الوزارة المكلفين بحماية أميركا من الهجمات الإلكترونية طرده ترامب الشهر الماضي من منصبه لأنه تجرأ وقال الحقيقة عن الانتخابات حين أصدر تقريرا قال فيه إن الانتخابات الأخيرة كانت أكثر الانتخابات الأميركية “أمانا في التاريخ.” مرة أخرى، لم ينبس هذا “العبقري المستقر” كما يحلو لنفسه أن يصف نفسه المريضة، ببنت شفة لأن صديقه بوتين هو المتهم بأن أجهزة بلاده الاستخبارية هي التي قامت بذلك. الكثير من الأميركيين يطالبون بفتح تحقيق في هذه العلاقة الحميمية الغريبة والشاذة بين ترامب وبوتين.
وبدلا من محاولة العمل على مواجهة أي من هذه الأزمات التي تواجها البلاد أو يخفف من آلام أبناء شعبه الذين يموت منهم كل يوم أكثر مما قضى في هجمات 11 سبتمبر، فكل ما يستنزف طاقة هذا الرجل المضطرب نفسيا هو مواصلة الادعاء، زورا وبطلانا بالطبع، بأنه فاز في الانتخابات الأخيرة، وأنه إن كان قد خسرها فعلا، فإن سبب هزيمته هو أن الانتخابات كانت مزورة. هو يدعي أن الانتخابات كانت مزورة في الولايات التي لم يفز فيها فقط، أما تلك التي فاز فيها فكانت الانتخابات فيها على أفضل ما يرام!! وهو يواصل نشر الشائعات ونظريات المؤامرة السخيفة مثله عن عدم نزاهة الانتخابات الأخيرة. والمحزن أن ملايين الجمهوريين وقياداتهم لا زالت تستمع إلى هذا المأفون وتصدق، بل وتردد بعض ما يقوله، وهو ما شكل ولا زال يشكل خطرا حقيقيا على الديمقراطية الأميركية التي تجري كل أنواع الانتخابات الرئاسية والكونغرسية والمحلية على الدوام ويقبل بنتائجها الجميع حتى لو كانوا من الخاسرين، منذ حوالي من 250 عاما.
هناك ستة أسباب رئيسية تدفع ترامب إلى مواصلة عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات الأخيرة، مع أن كل محاولاته هذه لن تؤدي إلى تغيير أي شيء، أي شيء في نتائج الانتخابات الأخيرة وسيخرج ترامب مهزوما، مذلولا ومهانا من البيت الأبيض في العشرين من الشهر المقبل ويسدل التاريخ ستارته عليه ليكتب عنه أنه كان فعلا أسوأ “رئيس” للولايات المتحدة في التاريخ. وسينصب بايدن رئيسا للولايات المتحدة في 20 الشهر الجاري. وهذه الأسباب هي ما يلي:
أولا، هذا الرجل بنشأته وثقافته وتربيته لا يقبل الخسارة حتى وإن خسر فعلا. فطوال حياته يحاول دائما الالتفاف على القوانين والأعراف وكل قواعد اللعبة لكي يفوز أو على الأقل يخلق الانطباع لدى دائرته الضيقة أنه فاز فعلا. هو مضطرب نفسيا فعلا ولا يشعر بالأمان النفسي كشخص، ويعتقد أنه إذا اعترف بخسارته في أي شيء، فإن كل من حوله سيتخلون عنه ويصبح هو بلا أية قيمة.
ثانيا، هناك بعد عنصري لما يقوم به. ترامب يشعر بالذعر أنه كان رئيسا لفترة واحدة حتى رغم أنه من الطبقة النخبة، ولو ماليا فقط، في حين أن عدوه اللدود، الفقير والأسود، فاز بفترتين رئاسيتين. بالنسبة إليه سيكون هذا ألم حياته وقد يموت غيظا من ذلك فعلا.
ثالثا، ترامب يعتقد أنه لو قبل بهزيمته فإنه سيفقد سيطرته على الحزب الجمهوري الذي سيطر عليه بطريقة غير مسبوقة فعلا ربما تضطر بعض شرفاء ها الحزب إلى إعادة النظر في ما وصل إليه حزبهم الذي تعد له أية علاقة بحزب أبراهام لنكولن وثيودور روزفلت ودوايت أيزنهاور ورونالد ريغان وجورج بوش الأب. هذا الرجل اكتشف في سنواته الأربع العجاف الماضية في البيت الأبيض أن الرئاسة لا تعود عليه بالجاه والاحترام والسلطة التي كان يفتقدها بشدة منذ نعومة أظفاره، بل إنها يمكن أن تكون مشروعا تجاريا مربحا يعود عليه بمئات الملايين.
رابعا، وربما الأهم، أن ترامب يستخدم عدم اعترافه بخسارته لجمع المال من أتباعه تحت غطاء أنه لا زال يقود حملة قانونية لإعادته إلى البيت الأبيض لفترة ثانية. هذا طبعا مستحيل وهو أول من يعرف ذلك. ولكنه ورغم ذلك تمكن من جمع أكثر مم 210 ملايين دولار منذ خسارته الانتخابات الشهر الماضي. المصيبة أن هذا الرجل بطبيعيته التحايلية المخادعة يستطيع أن يستخدم 75 بالمئة من هذه الأموال لأغراضه الشخصية السياسية. تذكروا أن هذا الرجل سيخرج من البيت الأبيض مدينا بحوالي مليار، نعم مليار دولار، أكثر من 400 مليون دولار منها تعود لبنوك أجنبية.
خامسا، ترامب يشعر بالذعر أنه في اليوم الذي يغادر فيه أبواب البيت الأبيض يوم 20 الشهر القادم، فإن القضاء سيكون بانتظاره. هنالك أكثر من ست قضايا قانونية محفوظة في الأدراج ضده، واحدة أو اثنتان منها قد تؤدي به إلى السجن. كان ترامب يحلم بأن يفوز بفترة ثانية حتى تنتهي هه القضايا ضده بسبب قانون الأقدمية القانونية – هذه القضايا تنتهي بعد مرور 5 سنوات على رفعها، وبالتالي لو فاز بفترة رئاسية ثانية لما مجموعه ثماني سنوات لانتهت هذه القضايا ضده. ولكنه سيكون الآن عاريا من حمايات البيت الأبيض امام القضاء الفدرالي والولائي.
سادسا، هذا الرجل، إضافة إلى عدم اعترافه بالهزيمة في الانتخابات الأخيرة، يلجأ أحيانا وبدهاء وقح إلى التلميح إلى أنه سيخوض انتخابات العام 2024! لماذا؟ فضلا عن إشباع رغباته السادية البائسة، لا يسعى ترامب فقط إلى مواصلة السيطرة على الحزب الجمهوري في السنوات الأربع القادمة وجمع الأموال من أتباعه باسم لجنة سياسية رئاسية يشكلها لكي يخوض الانتخابات المقبلة، ولكنه سيستخدم ذلك لمواصلة الادعاء بأن لا زال رجلا مهما وذا نفوذ وسيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة مرة أخرى. وهو يعرف أنه بهذا فقط يوجه رسالة قوية إلى دول الخليج تحديدا مفادها: واصلوا الاستثمار في من جديد!! وهو بهذه الطريقة يعتقد أن هذه الدول ستعود إلى الاستثمار فيه منذ الآن بعدة مئات ملايين الدولارات على أساس أنه سيكون الرئيس القادم لأقوى قوة على وجه الأرض!! دهاء ووقاحة وطمع وجشع واحتيال على المكشوف. لكن الحق “مش عليه.”